زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند للمملكة العربية السعودية تاريخية بكل المقاييس، فالرئيس الذي تواجه بلاده تحديات إرهابية، وجد أن خطَّ الدفاع في مواجهة الإرهاب ليس على شاطئ النورماندي بل عند مضيق باب المندب وبوابة الخليج العربي، فذهب إلى هناك ليُعلِن شراكةً فرنسية – خليجية إيجازها أنَّ أمن فرنسا من أمن الخليج، وحين يتحدث عن ذلك فهو يقصد ان لا قنبلة نووية فوق رأس الدول الخليجية، وأنَّ اليمن، البوابة الخلفية لدول مجلس التعاون الخليجي، يجب أن تكون في وئامٍ معه وليس في خصام.
***
الزيارة لم تأتِ من عبث بل إنَّ الرئيس هولاند أنعش من خلالها الإقتصاد الفرنسي من خلال إبرام صفقات بيع طائرات رافال الحربية الحديثة، ومبعث الإنعاش أنَّ هذه الصفقات ستؤدي إلى خلق مئةٍ وخمسين ألف فرصة عمل إضافية في السوق الفرنسية، في وقتٍ تعاني فرنسا خصوصاً ومنطقة اليورو عموماً، ركوداً قوياً بسبب الأزمة اليونانية.
وعظمة الزيارة وتاريخيتها أنَّ الرئيس هولاند وفي غمرة إنشغالاته الخليجية، أبقى حيِّزاً من الإهتمام للبنان، وتمثّل هذا الحيِّز في استقباله للرئيس سعد الحريري. اللقاء لم يكن بروتولوكياً على الإطلاق، بل إنَّه صحَّح البوصلة في شأن الإنتخابات الرئاسية في لبنان، وتصحيح البوصلة جعل الرئيس الفرنسي في غاية الواقعية حيث أسرَّ إلى الزعيم اللبناني أنَّ موضوع الرئاسة اللبنانية معطِّلٌ بسبب دولة أقليمية، وهذا التقييم كان محطَّ توافقٍ تام مع الرئيس الحريري.
***
لقاء الحريري هولاند لم يكن يتيماً على المستوى اللبناني، بل هو يأتي في سياق الإحتضان الفرنسي للوضع اللبناني، والذي تمثَّل في لقاء هولاند بالبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الأسبوع الماضي، كما أنَّ هذا الإحتضان يتمثَّل في لقاء الرئيس الفرنسي زعيم المختارة النائب وليد جنبلاط، الذي انغمس لأربعة أيام متتالية في تقديم أطول الإفادات في المحكمة الدولية في لاهاي.
***
ومن أكبر المفارقات لفتاً للنظر، أنَّ البيان الخليجي الفرنسي تضمَّن فقرة خاصة بلبنان، وهي تحدَّثت عن تعزيز سيادة لبنان ووحدته واستقراره عبر دعم مؤسساته وبشكل خاص جيشه، ومناشدة الأطراف المعنية سرعة إنتخاب رئيسٍ للجمهورية.
قمة عن تطورات الخليج تتحدث عن لبنان، هل من اهتمام أكثر من هذا الإهتمام؟
إنَّ لبنان بهذا المعنى محظي، خصوصاً أنَّ الإهتمام به يأتي في خضم أجندة مكثفة وحاسمة ومصيرية، ومن أبرز محطات هذه الأجندة:
– القمّة الأميركية – الخليجية، في 13 – 14 أيار الجاري، في كامب ديفيد في الولايات المتحدة.
– مفاوضات الإتفاق النهائي حول البرنامج النووي الإيراني، ستستأنف في 12 أيار الجاري في فيينا.
***
وسط كلِّ هذه الكثافة يجد لبنان مَن يهتم به:
شكراً للرئيس فرنسوا هولاند.
شكراً للرئيس سعد الحريري.