IMLebanon

زيارة هولاند في توقيت يتجاوز الرئاسة: فرنسا تستلحق دوراً ولبنان قطار الحلول

هل تجاوز الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند النصائح التي كانت أسديت اليه بعدم جواز زيارته لبيروت، التي كانت مقررة قبل أشهر، لئلا يعطي انطباعا خاطئا بأن فرنسا التي تزور لبنان في ظل شغور موقع رئاسة الجمهورية يمكن أن تتطبع مع الوضع وتقبل به؟ لدى الرئيس الفرنسي اعتباراته ومصالح لبلاده قد تدفع به الى عدم إسقاط لبنان من زيارة يعتزم القيام بها لبعض دول المنطقة والرغبة في عدم اعطاء مؤشرات لإهمال لبنان، في حين أن ثمة اهتماما لا تزال تبديه فرنسا وحدها ولو عجزت عن المساعدة في ايجاد الحلول للازمة الرئاسية. قد تكون زيارة هولاند محبذة هذه المرة، على رغم أن لا فاصل أكثر من ستة أشهر بين موعد زيارته التي كانت مقررة في الخريف الماضي وعدل عنها لئلا يعطي رسالة خاطئة عن إمكان تقبل فرنسا الشغور الرئاسي المسيحي، وموعد زيارته المرتقبة في منتصف الشهر الطالع، في الوقت الذي كان لا يستطيع ان يقدم دفعا لهذا الملف في شكل خاص. يفهم مراقبون كثر حاجة اوروبا وفرنسا تحديدا الى الاطلالة على المنطقة التي تبدو غائبة عنها، بعدما احتلت الولايات المتحدة وروسيا واجهة التطورات وأهملت أوروبا ودورها، في الوقت الذي غدت الأخيرة تعاني من موجات اللاجئين من جهة وموجات الارهاب من جهة أخرى. فهناك معاناة في المنطقة لغياب أوروبا التي كانت تبدو أقرب الى المنطقة وشعوبها، أقله بالنسبة الى دول حوض المتوسط، من الولايات المتحدة وروسيا، واوروبا تبدو ضائعة في ظل انسحاب الولايات المتحدة، وهو ما ترك في المقابل بعض دول المنطقة في حال ضياع، ومنها لبنان الذي يشهد حال اختناق وغرق تدريجيين. ثمة ما يجب ان يجعل هولاند يتخطى الاعتبارات اللبنانية في زيارته المرتقبة إذا حسم قراره في شأنها بالنسبة الى بعض المراقبين، إذ إن المحظور الذي كان يتمثل بوجوب أن تظهر استحالة تعايش فرنسا مع ازمة الشغور الرئاسي، وتاليا ألا يزور هولاند لبنان في غياب رئيس للجمهورية، قابل للسقوط ما دام اللبنانيون والمسيحيون خصوصا تعايشوا مع ذلك ويظهرون استعدادا للتعايش مع المزيد من الفراغ، لا بل هم من المساهمين فيه. وعليه، لا يمكن ان يكون ملكياً اكثر من الملك نفسه في حال اختار الزعماء المسيحيون استمرار التنافس وعدم الاتفاق لإحراج الآخرين في انتخاب رئيس جديد. وبالنسبة الى مصادر ديبلوماسية مراقبة، فإن سنتين على بداية المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد مرّتا مرور الكرام من دون الإيحاء ان تقويما للسياسة المتبعة قد جرى، أقلّه لدى الأفرقاء المسيحيين، في حين أن هذه السياسة ينبغي أن تكون أثبتت عدم نجاحها في انتخاب من يدفع بعض الأفرقاء في اتجاه انتخابه. وزيارة هولاند بهذا المعنى يجب أن تندرج تحت عنوان كبير داعم للبنان وصموده في هذه المرحلة الانتقالية التي تشهدها المنطقة، والتي يجب أن تحمل عناوين مطمئنة على الاقل في خطاب هولاند في بعض المسائل إذا استطاع الى ذلك سبيلا. ولعلّ زيارة الامين العام للامم المتحدة بان كي – مون الاخيرة للبنان وزيارات أخرى تشجع هولاند على المضي في خيار زيارته أو حسم اتجاهاتها إيجابا، وكان لقاؤه البطريرك بشارة الراعي – باعتباره أحد المسؤولين من كل الطوائف في لبنان – حلا غدا مقبولا اذا كان المسيحيون غير رافضين له، لان اي زائر دولي لا يستطيع زيارة احد الافرقاء او جميعهم كممثلين عن المسيحيين بدلا من رئيس الجمهورية. فنحن لا نساعد انفسنا ليساعدنا الخارج. لكن هناك حاجة ماسة ليشعر لبنان بأنه ليس مهمشا في زيارات تتمحور فقط على موضوعي اللاجئين والارهاب، والتي يتولاها زوار امنيون ديبلوماسيون كثر، علما أن زيارة هولاند قد لا تنفصل عن هذين الملفين الاساسيين والمهمين لفرنسا كما لاوروبا، لكن الى جانب مسائل أخرى، بحيث يشعر لبنان مجددا بأنه دولة، ولو انها مستمرة من دون رأس، وهو غير متروك كليا من الدول الصديقة. وفي ظل العزلة العربية التي بات يواجهها لبنان نتيجة المواقف التي اعتمدتها المملكة السعودية والدول الخليجية في الآونة الأخيرة، بات لبنان في حاجة ماسة الى متنفس خارجي يمكن ان يقدم له اجوبة عن مجموعة اسئلة تساور مسؤوليه عن دعم الجيش اللبناني وسائر المسائل التي تشكل هواجس لديهم، ومن بينها الافق الذي تتجه اليه سوريا، وتقدم له جرعة دعم بديلة وضرورية. وما اذا كان في امكانه ان يلحق بقطار الحلول الذي انطلق في المنطقة.

والمحاذير امام الزيارة، وفق ما يقول بعض المراقبين، تبقى في ان لا افق للملف الرئاسي في المدى المنظور خصوصا في ظل تصاعد الرهانات من بعض الافرقاء على ما بات يصب في خانة النظام السوري، كانتصارات في ضوء مساعدته من روسيا على استعادة مدينة تدمر أخيرا، واحتمال ان يسعى الافرقاء الداعمون للنظام الى محاولة شد عصبهم على هذا الاساس، وهو ما قد يجعل صعبا على هولاند المساهمة في حلحلة الملف الرئاسي. ولن تبيع اي من السعودية او ايران فرنسا ما قد تستطيعان بيعه لروسيا او اميركا. وهو امر قد لا يكون ايجابيا بالنسبة الى الرئيس الفرنسي، اذ يظهر التأثير الفرنسي في لبنان غير ذي أهمية، أو من دون اي فاعلية تذكر، في ظل حرص أفرقاء ربما على الدفع في هذا الاتجاه نتيجة موقف فرنسا المتشدد والمعروف من نظام بشار الاسد.