زيارة هولاند للبنان تأكيد على بقاء فرنسا إلى جانبه بعد انكفاء المجتمع الدولي عنه
إنكشاف واضح لمسؤولية «حزب الله» و«التيار العوني» بدعم من إيران عن الأزمة الرئاسية
الإستياء العوني من الرئيس الفرنسي ليس ابن ساعته ويرجع لرفض باريس تأييد ترشيح عون واتصال هولاند بفرنجية بعد ترشيحه من الرئيس الحريري
لوحظ أن الوسط السياسي والإعلامي للتيار العوني و«حزب الله» شنّ حملة انتقادات واسعة ضد زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى لبنان وحاول ما في وسعه تهميشها والتقليل من أهميتها وإظهار فرنسا بالدولة العاجزة عن لعب أي دور فاعل أو مؤثّر، إن كان في حل الأزمة السورية المتفاعلة أو إنهاء أزمة الانتخابات الرئاسية اللبنانية وإثارة الشكوك بأنها تهدف في مكان ما إلى توطين اللاجئين السوريين في لبنان وهو ما يؤثر بتغيير التركيبة الديمغرافية وتهديد الوجود المسيحي في البلد.
أما الأسباب وراء الحملة النافرة ضد زيارة الرئيس الفرنسي فمعروفة، لأنها تعكس في الواقع تسليط الضوء على مسؤولية رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون و«حزب الله» عن أزمة الفراغ الرئاسي وتعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية منذ ما يقارب السنتين وحتى اليوم بدعم من النظام الإيراني لغايات ومصالح تتعارض كلياً مع مصالح اللبنانيين.
وقد استمع الرئيس الفرنسي بإصغاء إلى أكثر من مسؤول وسياسي عن سيناريو التعطيل المتعمّد لانتخابات الرئاسة والتحذير من أن استمراره على هذا النحو السلبي يؤشر إلى مخاطر تُهدّد مؤسسات الدولة وإداراتها والاقتصاد الوطني ووحدة الدولة ككل.
وفي الأساس موقف فرنسا داعم لإجراء الانتخابات الرئاسية بأسرع وقت ممكن، ولم تتوقف الاتصالات والمشاورات مع مسؤولين وسياسيين لبنانيين طوال الفترة الماضية للمساعدة في حل أزمة الرئاسة، كما تواصلت لهذه الغاية مع المسؤولين الإيرانيين وأثارت الموضوع خلال زيارة الرئيس حسن روحاني لباريس ولكنها جوبهت برفض طهران التجاوب معها وإغلاق الأبواب أمام أي وساطة أو جهد مع «حزب الله» حولها بحجة زائفة مفادها بأنها لا تتدخل في الشؤون الداخلية للبنان خلافاً للواقع والحقيقة.
والاستياء العوني من الرئيس الفرنسي ليس إبن ساعته كما يقال، وإنما يعود لرفض باريس تأييد ترشيح عون أو إعطائه أي جرعة دعم يحتاجها أو إشارة ما وتجلى ذلك بالاتصال الهاتفي الذي أجراه هولاند بزعيم «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية عقب إطلاق مبادرة الرئيس سعد الحريري بدعم ترشيح فرنجية للرئاسة نهاية العام الماضي، الأمر الذي اعتبره العونيون وحلفاؤهم بمثابة دعم فرنسي مباشر لهذه المبادرة ولوصول فرنجية لسدة الرئاسة على حساب ترشيح عون.
يضاف إلى كل هذه الأسباب إصرار الرئيس الفرنسي على موقفه في تحديد أي لقاء محتمل مع «حزب الله» على المستوى النيابي فقط ورفض لقاء أي مسؤول حزبي من خارجه لئلا يعتبر ذلك بمثابة إنفتاح فرنسي على الحزب من خارج الحظر المفروض عليه عربياً ودولياً خلافاً للواقع أو خرق للاجراءات المطبقة من المجتمع العالمي ضده، مما أدى إلى عدم عقد أي لقاء بين الطرفين واستثناء الحزب كلياً من سلسلة اللقاءات التي شملت جميع القيادات والأطراف السياسيين والدينيين في لبنان، وهو ما اعتبره المراقبون مؤشراً سلبياً يدل على الاستياء الفرنسي البالغ من ممارسات الحزب في الداخل اللبناني تحديداً ولا سيما على صعيد إمعانه بتعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية من خلال تعطيل النصاب الدستوري لانعقاد جلسات مجلس النواب والدلالة على رفض فرنسا لارتكابات الحزب ومشاركته بالحرب الدائرة في سوريا إلى جانب قوات الرئيس السوري بشار الأسد وغير ذلك من التدخلات السافرة في شؤون العديد من الدول الخليجية أيضاً.
اما محاولة تصوير نتائج الزيارة وكأنها تصب في خانة توطين اللاجئين السوريين في لبنان على حساب الوجود المسيحي فيه، كما صدر في بعض وسائل الإعلام، فهي لا تعكس الواقع وإنما تهدف إلى إظهار الاستياء من موقف باريس الرافض لتأييد ترشيح النائب ميشال عون للرئاسة وإلى سياساتها ضد «حزب الله» تحديداً وإثارة شعبوية مسيحية ضدها واظهار «التيار العوني» وكأنه المدافع الوحيد مع حليفه «حزب الله» عن الوجود المسيحي في لبنان كما يفعل في ملفات وقضايا أخرى كقانون الانتخابات وما يُطلق عليه الحفاظ على حقوق المسيحيين في مؤسسات وادارات الدولة، ولحجب المسؤولية المباشرة للتيار العوني و«حزب الله» عن التأييد الأممي لديكتاتورية الرئيس السوري بشار الأسد ومشاركة الحزب في قتل أبناء الشعب السوري وتدمير مدنهم وقراهم وتهجيرهم قسراً إلى لبنان وهو ما يتعامى عنه الطرفان ويحاولان إلصاق مسؤولية التهجير ونتائجه زوراً إما بخصومهم السياسيين أو بالدول الأجنبية ومنها فرنسا.
ولكن بالرغم من كل الغبار التي حاول الوسط السياسي الإعلامي للتيار العوني و«حزب الله» اثارته حول زيارة الرئيس الفرنسي إلى لبنان وتحوير نتائجها والتقليل من اهميتها، يبقى ان أهم نتيجة واقعية للزيارة هي استمرار اهتمام فرنسا بلبنان كدولة صديقة بالرغم من انشغالاتها وتبدل الظروف الإقليمية والدولية واصرارها على دعمها والوقوف إلى جانبه في ضوء انكفاء معظم الدول أو جميعها عن الاهتمام به أو الوقوف إلى جانبه، بينما ظهر جلياً ان إيران بواسطة «حزب الله» ومن يدورون في فلكه من اللبنانيين يلعبون دوراً سلبياً في تأجيج الأزمة السياسية وبث الفرقة بين اللبنانيين وتعطيل مؤسسات الدولة وشل الحياة السياسية.