سُئِلَ أحد الحكماء: ما هو الغضب؟ فأجاب: إنه قصاص توقعه بنفسك بسبب خطأ ارتكبه غيرك!
ولكن ماذا عن الغضب المشترك الذي تنتاب نوباته شعباً بأكمله؟ لسنا ندّعي أننا حكماء، إلّا أننا ندعو الى غضب الجماعة اللبنانية كلّها، في ما نسمح لأنفسنا أن نسميه «الغضب المقدس»، لأن الغضب هنا ليس ممّا يصيب فرداً أو رهطاً من الناس، إذ هو ما يصيب اللبنانيين بأكثريتهم الساحقة. والسبب ليس مجرّد خطأ، إنه جريمة، بل كَمٌّ هائل من الجرائم الفظيعة التي ترتكبها عصابات ومافيات ومجرمون شاء سوء طالع هذا الشعب أنهم يتحكمون به، بنواحي حياته كلها، بما فيها لقمة عيشه! لم يكتفوا بأنهم سرقوا مقوّماتِ حياته كلَّها، فسرقوا أيضاً هناءه وأمنه واستقراره، واختطفوا منه الطمأنينة، وحوّلوا رغدَ عيشه الى بؤس، وراحة البال الى قلق مقيم، والأمل الى خوف على المصير…
ماذا ولم يفعلوا به؟ قتلوه في المرفأ، وأفلسوه بتطيير جنى العمر من المصارف، وجوعوه حتى إذلال الإعاشة، وذبحوا الدولة بأن قطعوا رأسها وما زالوا «يتماحكون» ليمنعوا أن يركب لها رأس جديد.
لم يقصّروا في «ابتداع» عناصر القهر، عنصراً تلوَ الآخر، ليبقى هذا اللبناني في «دوّيخة» مستدامة فلا يسترجع توازنه، وأن يبقى في غفلة لا يستفيق منها الى يقظة.
سرقوا منه المميّزاتِ كلَّها، والريادةَ بأعز ما فيها، والعنفوان الأغلى من الأغلى، فصار جواز السفر يستثير قلبَ شفتَي مراقب الجوازات في مطارات العالم، وفقد اللبناني ميزته التي كانت تعطيه أفضلية التوظيف في بلدان الخليج وغيرها (الخ … من «فضائل» هذه الطبقة الفاسدة الملعونة).
ومع ذلك فهذا الشعب جرى تدجينه الى حدود تجاهل مصالحه وأدنى حقوقه في الحياة الكريمة. وعندما، ذات يوم، أخذَنا الظن الى ان «الغضب المقدّس» هو عنوان ذاك الحراك الذي كتبنا نؤيده في هذا المقام، صحونا على «بلفة» كبيرة «أكلناها» من مافيا الحراك التي تبين أنها أشدّ سوءاً وأكثر خطراً من المافيات والعصابات المتحكمة في مفاصل هذا البلد المنكوب.