Site icon IMLebanon

الداخل والمدينة والإنتخابات  

دخلنا مرحلة اعادة تحديد الاحجام التي ستنتج عن الانتخابات النسبية القادمة بعد التمديد التقني الضروري. وأن عملية اعادة تكوين السلطة في لبنان وبأي قانون كان، هي صورة مصغرة عن حرب أهلية بين الطوائف وداخل كل طائفة، ولها أثمانها الإقتصادية والإجتماعية بالإضافة إلى تزامن هذه الانتخابات مع الحديث عن تحولات استراتيجية في أزمات المنطقة لن يكون لبنان بمنأى عنها.

ان قانون الانتخابات النسبي الطائفي سيُنتج مجتمعاً سياسياً اكثر طائفية، مع تعديل دستوري يكرّس الطائفية ويلغي حلم قيام الدولة المدنية التي أسّسنا لها عبر التسوية التاريخية التي قامت على اساس نظام جمهوري برلماني محرّر من القيد الطائفي ويؤسس لدولة المواطنة الحديثة  بديلاً عن دولة الطائفة والعشيرة.

ستكون الانتخابات القادمة اشبه بالاستفتاء البريطاني حول الخروج او البقاء في الاتحاد الاوروبي. وستنتج الانتخابات طبقة سياسية لا تريد العيش معاً ومهمّتها الأساس منع قيام مجتمع وطني قادر على الانصهار في هوية وطنية جامعة ونهائية. إن لبنان ٢٠١٨ سيكون  نموذجاً مكرّراً لتجربة القائمقاميتين الفاشلة وتوازنات لبنان الصغير. وستواجه هذه الطبقة السياسية تحديات المدينة اللبنانية التي أصبحت تستوعب اكثر من ثمانين بالمئة من سكان لبنان.

المدينة اللبنانية التي انقذت لبنان الصغير من الهلاك النهائي عندما إستوعبت مدن الساحل تناقضات جبل لبنان، واستقبلت بيروت وصيدا الافراد والجماعات والبعثات العلمية والدبلوماسية في القرن التاسع عشر، وسخّرت موانئها للتجارة اللبنانية دون تمييز طائفي او مذهبي. واستطاعت المدينة اللبنانية آنذاك التأسيس لقيام مجتمع لبناني متفاعل، جعل من اعلان دولة لبنان الكبير قصّة نجاح وتقدّم وازدهار، إلى أن بدأت الانتكاسات مع عودة حساسيات جبل لبنان الى التحكّم بمصير لبنان كما يحدث الآن.

ان تحديات المدينة اللبنانية لا تقلّ اهمية عن تحديات الداخل اللبناني الذي يحتل مكانة ثانوية لدى الطبقة السياسة الحالية، الى حدّ التفكير بحرمان الداخل اللبناني من بعض مقاعده النيابية من اجل هندسة الاحجام الطائفية لهذا الفريق او ذاك، في حين ان الداخل يتحمّل كلّ تداعيات النزاع السوري في النزوح والقتال، وأصبحت القرى والبلدات اشبه بمستودعات كبيرة للقنابل الديمغرافية القابلة للانفجار.

لسنا بحاجة الى تذكير القادة الجدد بالنزاعات الأهلية التي اودت بالجميع الى الهلاك، لأنّها ماثلة أمامهم في سوريا والعراق واليمن وليبيا، وكلّها تذكّر بما كان في لبنان. وان العدالة لا تقوم على حرمان الفرد المواطن من التعبير عن ذاته وتطلّعاته وأحلامه بما هو إنسان وليس كائن طائفي مجرّد من الحقوق والواجبات، ولا تجعل من مدنيته وإنسانيته عاهة من العاهات.

ان القبلية الطائفية التكنولوجية، التي تقوم إحصائياتها على اعتبار البشر مجرّد أعداد من خلال الانتخابات النسبية القادمة بين القبائل الطائفية، تتجاهل حاجات اللبنانيين المدنية والإنسانية التي تتنافى مع الضرورات الطائفية والتي تتغير بين طائفي وآخر ومنطقة واُخرى، اذ يصبح تعداد الطوائف بالعشرات. وعلى سبيل المثال فإن أفراد الطائفة السنيّة في البقاع الغربي غير سنة البقاع الاوسط وغير سنة بعلبك وغير سنة عرسال، والامر عينه عند الشيعة والموارنة ووو.

كل مرّة أذهب فيها الى ساحة البرلمان اشعر بذلك الخواء المنظّم وأتذكر كيف كانت الحياة في ساحة النجمة ايام التفاعل والعيش معاً، بعد اعادة بناء ما تهدّم ووصل ما انقطع، الآن لا يوجد سوى أسراب الحمام التي تذكّرنا دائما كيف اننا قتلنا الحياة والنجاح من اجل حماية الفشل والضياع.