خطفت زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الأضواء من مخاض التأليف، مع كل الاحتمالات التي ممكن أن تحملها في ما يخص ملف النازحين تحديداً، حيث تشير المعلومات إلى بذل الجهود والأموال الأوروبية للحدّ من تدفقهم إلى القارة العجوز، مما يعني إغراء لبنان والأردن لاستيعاب المزيد إلى أن تُحل الأزمة السورية على المستوى الدولي، أي بالمستقبل غير المنظور!
وفيما تسعى الدول المتحضرة لتحقيق مصالحها في شتى المجالات مهما كانت الأثمان، يبقى لبنان في مصاف الدول المتخلفة التي تتلقى ولا تبادر، ترضى بما قسم لها بسبب فقدانها القدرة على التحكم داخلياً فكيف بالمبادرات الخارجية، وأخيراً تتلهى بالقشور وتلهي شعوبها بالجدليات البيزنطية وتُرهق كاهلها بالأعباء الاقتصادية فتعطل الإنتاجية والقدرة على التطوّر والنمو.
نعم، هذا هو حال بلد الحرف والنور، العريق كشجرة الأرز… الذي نخره الفساد وأفرغته الكيديات السياسية من معنى الدولة وحوّلته عقلية الإقطاعية والتوريث السياسي إلى مزرعة، قوّضت الممارسة الديمقراطية وشوّهت صورة الجمهورية.
في الوقت الذي يرزح فيه لبنان تحت أزمة اقتصادية غير مسبوقة سببها الرئيسي هو الحرب السورية وتداعياتها المتشعبة على الوطن الصغير، حيث كانت أزمة النزوح أقساها بالإضافة إلى جوانب عديدة أخرى، وفي حين كان يفترض أن يُجنّد كل طاقاته وعلاقاته للحصول على الدعم الدولي في هذا الملف، فإذا بالطبقة السياسية تُمعن في تعطيل مؤسسات الدولة من خلال شدّ حبال التأليف الذي بات يُطبق على رقبة المواطن وليس الدولة فقط ، وبقيت شعارات محاربة الفساد حبراً على ورق مما يُهدّد بوضع مقررات مؤتمر سيدر في أدراج النسيان… من ناحية أخرى، يشتعل البقاع بحروب العشائر في استعراض مذهل لتفشي السلاح غير الشرعي مُظهراً عجز الدولة عن فرض سيطرتها على كامل الأراضي اللبنانية، ومؤكداً نظرية الدويلات داخل الدولة، فاتحاً بذلك الباب العريض أمام المزيد من المزايدات السياسية والتدخلات الإقليمية المسيئة لسيادة واستقلال لبنان.
إن الانفصام الأمني الذي يعيشه اللبنانيون تحت سقف الوطن حيث صيف كاميرات المراقبة والتشديد على حزام الأمان في بيروت وشتاء الاشتباكات المسلحة وعصابات السرقة والخطف وشتى أشكال الانفلات الأمني في البقاع، يُظهر هشاشة الأمن بشكل عام والتلهي الحاصل بالمظاهر الفارغة قبل معالجة جذور المشكلة واقتلاعها إلى غير عودة!
فأية دولة يأكلها الفساد سوف تفاوض لضرورة الحصول على الدعم المادي لمواجهة أعباء النزوح، وأية طبقة سياسية طرحت الجنسية اللبنانية في مزادات البيع الرخيص سوف ترفض التوطين وتضغط على المجتمع الدولي لعودة النازحين الآمنة إلى ديارهم، وأية حكومة منتجة سوف تُشكّل إذا ما استمرت ذهنية عرض العضلات وفرض الشروط لوضع اليد على قرار الدولة وجرّ لبنان إلى محور دولي لم ولن يكون جزءاً منه مهما اشتدت الضغوط ؟!
إنها ساعة الحقيقة التي سوف تكشف المسهلين والمعرقلين، الفاسدين والشرفاء، الذين يختارون مشروع الدولة والذين يعملون لتمكين الدويلات على مقدرات الوطن… إنها ساعة الحسم للقوى الأمنية وفرض سلطتها على كافة الأراضي اللبنانية لقطع الطريق على كل من تسوّل له نفسه العبث بالأمن وتشويه ما تبقى من هيبة الدولة! إنها ساعة تأليف حكومة شراكة حقيقية حيث لا غالب ولا مغلوب حتى تستثمر كل الأطراف طاقاتها للنهوض بالوطن المنهك الذي يواجه ارتدادات الحرب السورية يومياً وعلى مختلف المستويات، إضافة إلى التحديات الأمنية المحيطة به إقليمياً، والصعوبات الاقتصادية التي تنتظره من خلال عقوبات دولية لا ينفك المجتمع الدولي يُلوّح بها كجزء من مواجهته مع المحور الإيراني.