Site icon IMLebanon

وطن يستحق الحياة

 لا تزال المدن والبلدات اللبنانية نوّارة بالمهرجانات بالرغم من إنقطاع التيار الكهربائي عنها في الليل كما في النهار. وإنها لظاهرة لافتة أن يكون هذا البلد المضروب إقتصادياً والمنكوب سياحياً يعيش ما أود أن أسميها «الإنتفاضة الفنية الراقية» التي عشناها ونعيشها هذا الصيف على أعلى المستويات الفنية العالمية.

وإنّ إقبال اللبنانيين على حضور تلك المهرجانات هو، في التقدير، الأهم. إنه دليل صارخ على أنّ هذا الشعب اللبناني العريق شعب حي لا يموت. إنه يلاعب ظروف الحياة القاسية ويواجهها في الميادين كلها ليخرج متغلّباً عليها.

ليس في هذا الكلام أوهام. ولا هو شعر، مع حبنا للشعر بل وعشقنا له. إنما هو واقع قائم لا يستطيع أحد أن ينكره. وليس قليلاً أن يتوافد كبار فناني العالم في الموسيقى الرفيعة والأداء المشهود له والأسماء اللامعة، الى هذا الوطن الصغير المعذّب بما يتجاوز طاقة الإقليم كلّه الذي تثبت لنا متابعتنا الدقيقة أن دول المنطقة كلها لم تشهد مهرجانات كتلك التي شهدها لبنان كمّاً ونوعاً.

صحيح أنّ اللبناني يعاني وضعاً إقتصادياً /إجتماعياً دقيقاً ولكنه يجد في جيبه بدل التذاكر له ولأفراد أسرته لحضور هذا المهرجان أو ذاك، في هذه البلدة أو تلك المدينة.

وصحيح أننا نفتقر الى السيّاح، عرباً وأجانب، بالمقدار الذي يُفترض به أنه يخوّلنا أن نحظى بمردود يسهم في إنعاش الإقتصاد الوطني، إلاّ أننا مع ذلك جئنا بالمقامات الفنية العالية جداً التي يكفي ذكر إسم كل منها حتى تهتز له المسارح.

وصحيح أيضاً أننا نعيش آلام جراح كبيرة، أبرزها حالياً جرح جنود الجيش وعناصر قوى الأمن الداخلي الذين إختطفتهم جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام (داعش)… ولكننا أثبتنا أننا نؤمن بحقنا في الحياة من دون أن يكون هناك أي إنتقاص من حق اولئك الأبطال في أن يعودوا سالمين الى وطن كانوا في مهمة الذود عن حياضه حينما تم الإختطاف… وكذلك من دون أي تقليل من حق ذويهم في ما يطلبون، وهم الذين يعيشون معاناة جسدية ونفسية لا حدود لها.

ويبقى على السياسيين أن يتعلموا من الشعب!

يبقى عليهم أن يأخذوا من هذا الشعب الصابر الصامد جرعات من الأمل والتفاؤل والتصميم والإصرار على حق هذا الوطن في النهوض وأيضاً في التقدم. وكذلك في إستعادة دور القيادة في محيطه وفي العالم.

إن الذين بنوا «لبنان الرسالة» لم يكونوا جبابرة ممتازين عن سواهم… فقط كانوا مؤمنين بهذا الوطن، وبدوره، وبحق أبنائه جميعاً في الحياة الحرة الكريمة… ولم يكونوا مرتهنين للخارج… وكان عندهم حدٌّ من الحياء، فلنقتدِ بهم!