IMLebanon

مصابيح الوطن

قيل في شهادتهم الكثير، وسيقال اليوم وغدا أكثر، لكن لا قيمة في مقام شهادتهم، لأي كلام.

التكريم الذي سيقام لشهداء الجيش الذين سقطوا، بالتخلّي السياسي أو بمعركة فجر الجرود المنقوصة، أقلّ ما يكون، لراحة نفوسهم ومناجاة أرواحهم، ومشاركة ذويهم الأسى والحزن. وأيضا لتكريم الجيش الذي ينتمون اليه، والذي أظهر في المراحل الثلاث الأولى من معركة فجر الجرود انه الوعد والمرتجى. وهو المجتمع المنضبط الذي يستمد مبادئه من مصلحة الوطن بحسب الماريشال الفرنسي فوش.

وعن الجيش يقول الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، انه عنوان شرف الأمة، وهو لن يكون في أمة ضعيفة جيش قوي، ولا في أمة قوية جيش ضعيف.

بمعنى ان قوة الجيش من قوة الدولة والشعب الذي ينتمي اليه. والقوة بمعناها السياسي وليس المادي وحسب، والمقصود بالمعنى السياسي، ان لا نقيس قوة جيشنا بمعيار تحالفاتنا السياسية، وان لا تتحوّل سلطتنا السياسية الى تسلّط على مؤسسات الجيش والأمن وكل ما له علاقة بالحماية الوطنية، كي لا تتكرر الفاولات التي كلّفتنا كوكبة الشهداء الذين نشيّع اليوم، ولا المنغّصات التي ترتبت على الحؤول دون تمكين الجيش من تنفيذ المرحلة الرابعة من عمليته الناجحة، مراعاة للخواطر والتحالفات. أو لخشية البعض من وقوع أدوات الارهاب في الفخّ، فينكشفون، ويكشفون المغطّى والمستور، ويذكّرون اللبنانيين بحكاية راجح والمختار، في احدى مسرحيات الرحابنة، الذين كتبوا التاريخ قبل حصوله كما قال الرئيس ميشال عون، ذات يوم.

 

وهنا الفضل لمعركة فجر الجرود رغم الحيلولة بينها وبين الاكتمال، والتي أظهرت ان داعش نسخة حديثة عن راجح الرحابنة، الذي اخترعه المختار ليرهب به أهل قريته، وما المسوح الدينية والألقاب الخلافية. إلاّ جزءا من الديكور التضليلي للبسطاء من الناس، الذين يؤخذون بما يسمعون عنك، قبل أن يسمعوا منك.

هذه المعركة، رغم الارتباك الذي فرض على الدولة وبالتالي الجيش، نتيجة الدخول الجانبي على خطّها، فتحت عيون اللبنانيين، بغالبهم، على حقيقة داعش والنصرة، وعلى حقيقة الاحتلالات ومن ثم الانسحابات، التي كانت ولا زالت تحصل في المناطق السورية، ومؤخرا في الجرود اللبنانية.

يقول غاندي: كثيرون حول السلطة، قليلون حول الوطن

لكن بعد فجر الجرود، تغيّر المشهد في لبنان، فصار الكثيرون حول السلطة، كثيرون حول الوطن أيضا. انها معركة ردّ الاعتبار للدولة اللبنانية، وللكرامة الوطنية.

والآن، الكل يطالب بالتحقيق بحثا عن المسؤولية الضائعة في غابة التطورات المتلاحقة. لكن ما من طرف يريد التحقيق بالوقائع من الألف الى الياء، ولكل يعقوب غرضه.

فهناك أطراف تصرّ على التحقيق من البدايات، من الثاني من آب ٢٠١٤، تاريخ عملية خطف العسكريين لاظهار مسؤولية رجال تلك المرحلة في السلطة السياسية والجيش، لاغراق المحققين في غابة المسؤولية عن تلك المرحلة، بهدف تصفية الحساب مع هؤلاء. مع تغييب المرحلة الأخيرة، مرحلة قطع طريق الفوز التام على معركة فجر الجرود، وبالتالي الوصول الى حقيقة الدواعش، حسبا ونسبا ومرجعيات.

وهناك أطراف ترى في مثل هذا التحقيق مضيعة للوقت، ونفخا في قربة مثقوبة، وتصرّ على ضرب الحديد وهو حامٍ، في معركة الجرود، المكشوفة المسؤولية على المستوى اللبناني، استنادا الى حديث الرئيس سعد الحريري من باريس عن موافقته وموافقة الرئيس عون، على رغبة أصحاب الرغبات بوقف هجوم الجيش على الدواعش في مرحلته الرابعة والحاسمة، ما يعني ان مثل هذا التحقيق قد يضع إصبعه على الامتدادات الاقليمية الحقيقية، للدواعش، وهنا محور التحدّي في التحقيق المطلوب.

فهل ان من لم يسمح بالقبض على الجناة، وأمن ترحيلهم الى حيث بيئتهم الحاضنة، قد يسمح بالوصول اليهم، وتاليا الى من هم خلفهم، حتى على الورق؟

 

الشهداء مصابيح قليلة، لكن نورهم يضيء الوطن بأكمله.