تنطلق اعتباراً من يوم الاثنين 20 الجاري، مجموعة القروض التي طرحها مصرف الاسكان، والتي تأتي بعد توقف دام حوالى السنتين و4 أشهر، إثر توقف المؤسسة العامة للاسكان عن قبول أي طلب قرض سكني. ويطرح مصرف الإسكان إعطاء قروض لشراء منزل، ترميم منزل، وتركيب أنظمة الطاقة الشمسية في المنازل.
حدّد مصرف الاسكان سقف القرض لشراء شقة سكنية بمليار ليرة لمساحة 120 متراً، مقسّطة على 30 سنة وبفائدة لا تتخطّى 4,99%، على ان تتوجّه للبنانيين حصراً من ذوي الدخل المحدود، بحيث لا يقلّ مدخول المقترض عن 6 ملايين ليرة ولا يتجاوز الـ20 مليوناً، والّا يكون قد استفاد سابقاً من اي قرض إسكان، وأن لا يملك منزلاً مسجّلاً باسمه على الاراضي اللبنانية كافة. كذلك خصّص مبلغ قرض ترميم المنزل 400 مليون ليرة كحدّ أقصى، مقسّطاً على 10 سنوات وبفائدة 4,99%. اما قروض الطاقة الشمسية فتراوح السقف المالي المخصّص لها بين 75 و200 مليون ليرة تُقسّط على 5 سنوات بفائدة 4,99%.
صحيح هي بارقة أمل لذوي الدخل المحدود تمكّنهم من الحصول على قرض لشراء شقة، الّا انّها تأتي في زمن رديء يمرّ فيه اللبناني بأسوأ أزمة مالية على الاطلاق، الى جانب التقلّبات الحادة بسعر الصرف، عدا عن انّ القرض ممنوح بالليرة اللبنانية، في حين انّ كل شيء بات مدولراً. كل هذه التحدّيات مجتمعة توحي وكأنّ القروض تأتي اليوم في الزمن غير المناسب. فهل يمكن رغم ذلك أن تحرّك القطاع ومعه عجلة الاقتصاد؟
تقول نائب رئيس جمعية المطورين العقاريين ميراي القراب ابي نصر، انّه بات من الصعب جداً اليوم إقناع المطورين ببيع الشقق السكنية بالليرة اللبنانية في ظلّ التقلّبات الحادة بسعر الصرف، ويمكن اعتباره أبرز تحدٍّ سيواجه القروض السكنية، لا سيما وانّ أكثرية ديون المطورين هي بالعملة الصعبة.
وأكّدت ابي نصر لـ»الجمهورية»، انّ قلة قليلة من المطورين قد يقبلون البيع بالليرة اللبنانية، وذلك في حالتين فقط:
– في حال وجد مطور عقاري لا تزال عليه ديون للمصرف بالليرة اللبنانية.
– في حال كانت الشقة جاهزة للسكن وتتراكم على المطور ديون، عندها سيقبل بالبيع على ان يبادر، وفور حصوله على المبلغ بالليرة، الى شراء الدولار للحفاظ على قيمة الاموال.
ورأت انّ الحركة العقارية التي ستنتج من كلا الحالتين لن تكفي لتحريك القطاع العقاري ولا لإنقاذه، لأنّها لن تحث المطور العقاري على الشروع في مشروع جديد، إذ لا يمكنه الاستثمار على أساس التقسيط بالليرة اللبنانية، خصوصاً انّ كل المواد الاولية المستعملة في البناء باتت مسعّرة بالدولار واسعارها ترتفع عالمياً، عدا عن انّ جزءاً من تسعيرة اليد العاملة باتت بالدولار.
واعتبرت ابي نصر انّ سقوف القروض الإسكانية المطروحة اليوم تمثل سندة صغيرة لمبلغ أكبر لا بدّ ان يملكه طالب القرض، إذ لا يمكن ايجاد شقة اليوم بمليار ليرة أي ما يوازي 33 الف دولار، في حين انّ اسعار الشقق خارج العاصمة تبدأ من 50 أو 60 الف دولار، ما يعني انّ على طالب القرض ان تكون في حوزته نصف قيمة الشقة على الاقل. ورأت انّ هذا القرض يتوجّه الى الذين يقبضون راتبهم او جزءاً منه بالدولار، أما غير القادرين والذين لا يملكون نصف القيمة كاش لا يمكنهم الاستفادة منه.
ورداً على سؤال، أوضحت ابي نصر: «صحيح انّ تمويل القرض المتأتي من الصندوق العربي الكويتي هو بالعملة الصعبة أي بالدولار، الّا انّ مصرف الاسكان مجبر قانوناً على اعطائه للمقترضين بالليرة اللبنانية. وهذا برأينا يجب ان يُعدّل قانونياً، تماماً مثلما يحاولون التحايل على القانون بإصدار تعاميم او قرارات وزارية تجيز التسعير بالدولار».
هل من شقق للبيع؟
وعمّا إذا كان لدينا مخزون من الشقق بعد توقف الاستثمارات وورشات البناء نتيجة الأزمة المالية والهجمة على شراء العقارات كحيلة لإخراج الاموال العالقة في المصارف، قالت ابي نصر: «لا يتوفر في لبنان مخزون كما في السابق، وغالبية الشقق المتوفرة تعود لمن تملّكها بواسطة شيك مصرفي بغية إخراج امواله من المصارف، وهؤلاء يحاولون البيع اليوم بالفريش دولار». أضافت: «هناك ندرة بالشقق التي لا تُباع بالفريش دولار»، مذكرة انّ ما بين 15 الى 18 مليار دولار من ديون المطورين تمّ تسديدها ابّان الأزمة، كذلك هناك ندرة بالشقق الجاهزة للسكن، لافتة الى انّ هناك مشاكل بالشقق التي كانت قيد الإنشاء وكان يتكلّ فيها المطور العقاري على اموال الإسكان، فاصطدم بتوقف القروض الاسكانية من جهة وبأمواله العالقة في المصارف، والتي اصبحت بلا قيمة، فانكسر وما عاد قادراً على استكمال أعمال البناء. كذلك تضرّر المقترض الذي كان أمّن دفعة اولى من سعر الشقة. فمن جهة ما عاد ينفع ان يسترجع امواله لأنّها باتت لا تساوي شيئاً، وفي الوقت عينه هو غير قادر ان يستكمل دفع ثمن شقة جديدة لأنّ سعرها زاد 5 مرات على الاقل.
في المقابل، توقعت ابي نصر ان يكون هناك إقبال على قروض الطاقة الشمسية أكثر من غيرها، لأنّها تساعد المواطنين على التخلّص من أزمة الكهرباء. وأوضحت انّ عملية التركيب تستغرق يوماً يأخذ على اساسها المهندس امواله ويحوّلها فوراً الى دولار، على عكس القروض السكنية التي تستغرق وقتاً أطول وتتعرّض لتحدّيات أكبر مثل ارتفاع اسعار مواد البناء عالمياً، من حديد الى ترابة الى ارتفاع اسعار النفط عالمياً وانعكاسه على تكاليف الشحن وتقلّبات سعر الصرف محلياً…
أسعار الشقق
بعد مرور عامين ونيف على الأزمة المالية، كيف أصبحت اسعار الشقق في المناطق؟ تقول ابي نصر: «خارج العاصمة يمكن ايجاد شقة صغيرة بسعر يتراوح ما بين 70 الى 80 الف دولار، أما في العاصمة فالاسعار لا تقلّ عن 150 الى 200 الف دولار. على سبيل المثال، بالكاد يمكن ايجاد استديو في منطقة الاشرفية بـ 150 الف دولار فريش، مع العلم انّه قبل الأزمة كانت الاسعار لا تقلّ عن 200 الى 250 الف دولار». ورأت انّ تأمين المسكن اليوم يمرّ في وقت حرج، مؤكّدة انّه لا يمكن ان تتحسّن الاحوال في القطاع قبل وضع خطة اسكانية وتقديم تحفيزات ضريبية للمطورين العقاريين لحثهم على القيام بمشاريع جديدة، الى جانب تأمين الاستقرار في سعر الصرف، وإلا فإنّ أحداً لن يتشجع للبدء بمشاريع جديدة.