بين مبادرة العماد عون وضغط حزب الله على الجيش اللبناني لدفعه نحو مواجهة مباشرة مع المسلحين في جرود عرسال، تناغم وتنسيق تام بين الحلفاء لزيادة الضغط الداخلي في محاولة جديدة لتسويق إيصال عون إلى الكرسي الرئاسي على أنه طوق النجاة الوحيد على متن سفينة الوطن الغارقة.
على أن الخروج من المأزق لا يمكن أن يتم عبر تفصيل القوانين وتعديل الدستور على مقاس الأشخاص خدمة لطموحاتهم ومصالحهم الشخصية.
وإذا كان الإجماع حول مؤتمر تأسيسي أو تعديل دستوري موجود، فالأجدى والأولى توظيفه في تحصين الدستور الموجود وانتخاب رئيس في المجلس النيابي، الذي استغل خبايا القوانين لصالح التمديد لنفسه، ومن ثم الانتقال لحوار داخلي جدّي يُعيد ترتيب أمور البيت الواحد، ولكن تحت رعاية رئيس للجمهورية، وضمن توازن السلطات الثلاث وحماية القوى الأمنية.
وبالحديث عن القوى الأمنية، يلفت تمادي البعض في التعامل مع الجيش وكأنه غب الطلب، فعندما تتطلب مصلحة فريق تدخله، تنهال الضغوط حتى يكون في خطوط المواجهة الأمامية، ليطهر مناطق استجرّ هذا الفريق الجماعات الإرهابية الموبوءة من الخارج إليها عبر انخراطه في حرب الآخرين من دون أي تشاور مع شركائه في الوطن. وحين تدعو الأجندات الخاصة، يتفرّد باتخاذ قرارات الحرب والسلم، والتفاوض مع العدو وإبرام الصفقات ومبادلات الأسرى من دون الرجوع لما يسمى بالدولة، ولا الوقوف عند خاطر ما يسمى بالشعب! وهذا ما يضرب جوهر الوطن والمواطنة والشراكة… فلا يمكن لمبدأ الهيمنة الذي ينتهجه حزب الله، ويوافق العماد عون عليه لحسابات خاصة، أن يشكّل نواة الوطن الذي نحلم به، والذي قدّمنا جميعاً في يوم من الأيام، الغالي والنفيس للحفاظ عليه. فلا الاستقرار مصان في ظل استباحة الحدود في الاتجاهين والتي فتحت أبواب الجهنم السوري على الداخل اللبناني، ولا السيادة قائمة بما أن الفريق نفسه يحاول وضع اليد على الجيش ومقدراته والمساعدات التي حصل عليها مؤخراً، عبر توظيفها في صراعات تخدم المصالح والأجندات الخاصة، ولا الشراكة في الوطن محترمة بما أن قرار السلم والحرب هو حكر على الحزب الذي يحمل السلاح وليس بيد الشرعية اللبنانية. والمطلوب من «الشركاء» الاستسلام لهذا الواقع المنافي للديمقراطية وللمواطنة بشكل عام وإلا وصف بالخيانة العظمى ودعم الإرهاب!!
وأخيراً، قبل الخوض بأنظمة هجينة عن المتعارف عليه عالمياً، وقبل الانقلاب على الدستور والطائف والدخول في غياهب المجهول والمغامرات غير المسحوبة، من الأجدى ترميم المفاهيم الأساسية المفقودة أصلاً والتي لا يمكن تجاوزها في معادلة الوطن للجميع تحت مظلة دولة المؤسسات… على أمل أن ننقذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان، وقبل ان نفقد جميعاً وطناً لم نعرف يوماً قيمته سوى على البطاقات البريدية، ولم نستخلص من ثروة تنوعه الطائفي سوى الانقسامات العمودية والاقتتال البغيض، ولم تنجح ثوراته الشعبية في الصمود بوجه الأجندات الخارجية والمصالح الخاصة، ولم يتفق شعبه على كتاب التاريخ فكيف يُخطط لمستقبل موحد؟