ليس خطاب التمسك بالدستور لدى “الثنائي الشيعي”سوى غطاء شرعي للهرب من الحقيقة في إنفجار المرفأ. فالكل يعرف أن الدستور مصمم بالقصد لحماية الرؤساء والوزراء من المحاكمة عملياً. إذ يقطع الطريق من أوله الى المجلس الأعلى لمحاكمة هؤلاء عبر شرط صعب جداً أو مستحيل هو تصويت المجلس النيابي بأكثرية الثلثين على إتهام أحد منهم. شيء من عدالة إفتراضية في واقع خطير. وشيء من الغرابة في أن يبدو “حزب الله” الذي يتحكم بلبنان ويلعب دور قوة إقليمية في المنطقة متخوفاً من قاضٍ لا يحمل سوى قلم.
والأغرب أن تقودنا السلطة الى مأزق ثم تلعب دور حارس المأزق وتربط الخروج منه بتطورات إقليمية لا دور لنا فيها، ومعركة رئاسية في جمهورية مخلّعة. والأسوأ أن المشكلة الأكبر في تعطيل مجلس الوزراء هي أن التسوية لا تحول دون تكرار التعطيل عند أول خلاف على أي موضوع بحجة ميثاقية فئوية تخرق الدستور والميثاق الوطني والعيش المشترك وتعطل حتى الحاجات المعيشية للبنانيين.
في ألمانيا خرجت أنغيلا ميركل من دار المستشارية الى الشقة المتواضعة التي جاءت منها بعد 16عاماً على قمة السلطة في أغنى بلد أوروبي. وما تريد أن تفعله هو “النوم والقراءة وحتى لا شيء”. وقبلها بزمان كتب الرئيس توماس جيفرسون بعد نهاية ولايته الى جون أدامز: “أنا الآن أكثر سعادة لأني أقرأ تاسيتوس وثيوسيديدس بدل الصحف”. أما في لبنان، فإن السياسيين الذين شرشحوا السياسة وأذلوا اللبنانيين وأثروا على حسابهم وبنوا القصور وجعلوهم مثل اللاجئين على لوائح الإغاثة، لا ينامون قبل الوصول الى السلطة، ولا ينامون بعد الخروج منها، ولا ينامون إلا في السلطة.
قيل في الماضي عن لبنان إنه شعب غني ودولة فقيرة. والواقع اليوم أن لبنان شعب فقير ومسروق، ودولة فقيرة ومفلسة، وحكام أثرياء ولصوص سطوا على المال العام والمال الخاص، ومافيا سياسية ومالية ومصرفية وميليشيوية حاكمة ومتحكمة. المافيا تخدم الميليشيا. والميليشيا تحمي المافيا.
ما يراد لنا أن نراهن عليه، ونحن ضحايا لعبة الأمم منذ سبعينات القرن الماضي، هو أن تنقذنا لعبة الأمم الدائرة حالياً على إعادة تشكيل الشرق الأوسط. وما يقوله لنا الذين يتصرفون كأنهم ربحوا لعبة الأمم وصار المستقبل لمشروعهم هو: أنتم مهزومون لكنكم لا تصدقون وحان الوقت لأن تتوقفوا عن الأحلام في عز الكوابيس.
كان الرئيس أيزنهاور يقول: “لكي تحل مشكلة، كبّرها”. والمشكلة في لبنان تكبر كل يوم، لكن تكبيرها قادنا من أزمة حكومة الى أزمة حكم وأزمة نظام وصولاً الى أزمة وطن. ولا أحد يستقيل أو يعترف بأنه إرتكب أخطاء أو يتوقف عن إدمان السلطة.