بينما يغرق أبناء الوطن في اليأس الذي دفعهم, أكثر من مرّة, إلى مغامرات يائسة للهروب من الواقع البائس فأعادهم جثثاً هامدة إلى أرض أحبوها، ولكن صعوبة الاستمرار فيها وتقطع سبل العيش لفظهم إلى بحر الموت… تغرق الطبقة السياسية وما تبقى من مؤسسات الدولة في شلل تام وعجز مُعيب عن تحمّل المسؤولية الوطنية في ظروف عصيبة لم يشهدها المجتمع اللبناني في أعتى أيام الحرب.
نعم، إنها مفارقة ما تسمعه اليوم أن أيام الحرب كانت أفضل، لأن الأمل بانتهائها كان يُساعد المواطن على الاستمرار والصمود حتى يخرج من النفق المظلم، أما اليوم، فالنفق يبدو بلا نهاية، والدوامة مغلقة على أزمة لا بوادر قريبة لاختراقها.
فالباب الأول للخروج من الأزمة السياسية يفتح على قصر بعبدا، حيث بات انتخاب الرئيس المفصل الأول للحل الداخلي، إلا أن المفتاح لا يزال في جيب إقليمي، يربط تسليمه بحل الأزمة السورية وحسب الشروط الإيرانية.
أما باب الحل الثاني فهو مجلس النواب، الذي يربط فريق سياسي تسليم مفتاحه بإقرار قانون للانتخابات وانتخاب رئيس للجمهورية.. وبالتالي، ارتبط مصير لقمة عيش المواطن ورواتب القطاع العام من جهة، والقروض التي تشكل دعماً مهماً للاقتصاد اللبناني من جهة ثانية، بالحل الإقليمي الشامل للأزمة السورية، وقياساً على أهمية الدور الذي سيوكل إلى لبنان خلال هذه التسوية. وبات لبنان على وشك أن يصنّف دولة فاشلة يحظر البنك الدولي التعامل المالي معه، ويمنع القروض عنه كونه غير قادر على الإيفاء بالتزاماته الدولية، وهكذا يتم الفشل محلياً ودولياً حتى يتهاوى ما تبقى من الوطن بشكل كامل، من دون أن تظهر أية محاولات جدية لإدارة الأزمة داخلياً لتمرير هذه الفترة الحسّاسة بأقل خسائر ممكنة. أما ضغط الشارع فلا يزال مستمراً، تارة من جهة النفايات والعراقيل اللامتناهية من كل حدب وصوب وكأن الجهود كلها تصب في إفشال خطة شهيّب، وتارة من جهة الهيئات النقابية التي تدعو للاضراب العام يوم الاثنين، مما ينذر بالمزيد من الشلل الاقتصادي والتعطيل التربوي. لعل ساعة تصريف الأعمال دقت عند الحكومة حتى يتحمل كل فريق مسؤوليته أمام وطن اغتصبت مؤسساته، وبات دستوره جزءاً من بازار سياسي كبير، وأمام مواطن حرم من أدنى حقوقه بالعيش الكريم، فباتت الهجرة أو حتى الموت بسببها أهون من الاستمرار في الوقع الحالي.
اللبناني غارق في اليأس والمسؤول غارق في نفاياته السياسية، ولا عجلة في كسر حلقة الأزمات المستمرة!