IMLebanon

«وطن الشُّغور»!

 

«لله سرّ فيك، يا/ لبنان، لم يعلن لنا»، بالإذن من إيليّا أبو ماضي وإعجابه بلبنان، قد «ينفخت» اليوم «دفّ» الحكومة، ويتفرّق عشّاق التعطيل ومحترفي تدمير ما تبقّى من مؤسسات الدولة الدستورية، لتلحق بالدولة بعدها مؤسساتها الأمنيّة، «بلد بلا راس»، والكلّ فيه يتصرّف على أنّه «الراس»، والذين يندبون يومياً «قصر الشّغور»، قد يندبون وبشكل تصاعدي «وطن الشُّغور» عن بكرة أبيه، فتعطيل الحكومة أمرٌ وارد، ولا يؤمن جانب فرقاء 8 آذار الحلفاء منهم والخصام، وإن اتّكلنا ظنّاً منّا أنّهم «تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى?  ذَ?لِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ» [الحشر 14]، فعند «الحَشْرة» سيأتيهم أمر عمليات إيراني نستعيد معه كيف تحوّلت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة من «ميثاقيّة» إلى «بتراء» خلال بضع دقائق في طهران!!

و»وطن الشُّغور» يعيش هذه الأيام وضعاً أكثر ارتباكاً وضياعاً من زمن الحرب الأهليّة، على الأقل خلال سنين الحرب كنّا نعرف أننا في حرب، ولكننا نعيش منذ سنوات عشر ما هو أسوأ من الحرب بكثير، والسيناريوهات تتكرّر مستعادة منذ العام 1989 وببطولة منفردة ممتدة ومضجرة لدونكيشوت اللعبة الرئاسيّة، وطواحين الحلم القاتل!!

وبالإذن من الشاعر إيليا أبو ماضي لبنان هذا الذي «أحبّه من بعيد لبعيد»، باعتبار هجرته منه في العام 1912، ليس أبداً «وطن النجوم» بل هو «وطن الشّغور»، وقد بات مملاً جداً، ومُرْهِقاً جداً لشعبه، وفي عزّ هذا الانهيار في المشهد اللبناني نجد من يحدّثنا عن «هيبة الدولة» الوهميّة، في قرارات «غير مطابقة لمواصفات» وزارة الصحة، أو ضبط ومقداره مئتي ألف ليرة غرامة مخالفة عدم وضع حزام الأمان، في وقت الحكومات فيه لم تقر سلسلة رتب ورواتب منذ سنوات، في وقت يكاد يطير فيه البلد بموجب ملف التعيينات الأمنيّة، في هذا البلد الهشّ لم يعد لنا حتى عود قشّ نتعلق به خوفاً من الطوفان الذي سيجرفنا نحن والمنطقة!!

هذا البلد، تماماً كما تباهى به إيليا أبو ماضي «لا يتّقي شرّ العيون/ ولا يخاف الألسنا» ـ ونوردها هنا بالمعنى السلبي لا الإيجابي الذي قصده الشّاعر»، فهذا بلدٌ فيه من «فَجَرَة» السياسة ما لا يُعد ولا يُحصى ولا يُطاق، بلدٌ يتشدّقون فيه بالحديث عن الديموقراطية والانتخابات نجد فيه «مقاطعجيّة» يستعدّون لتوريث الشعب على اختلاف طوائفهم لأبنائهم، وبعدها نعيب توريث الأسد الأب سوريا ولبنان للمجرم الأسد الإبن، ونجد فيه من يلهث طوال عقود خلف حلم أحمق يسابق ما تبقّى من أيام عمره لتحقيقه ولو على حساب بيع البلد للشيطان!!

ينظرُ وينتظر اللبنانيون بحذر جلسة مجلس الوزراء اليوم، ومن المفارقات اللبنانيّة المضحكة، أن الوزراء اللبنانيين وحدهم يمارسون «فجوراً سياسياً» اسمه «الاعتكاف»، ولو كان هؤلاء الوزراء هم أنفسهم وزراء في أيّ بلد عربيّ أو أوروبي آخر، «لأكلوها بالعتيقة» وطردوا من جنّة ممارسة العمل السياسي، نحن البلد الوحيد في العوالم الأولى والثانية والثالثة والعاشرة التي «يضرب فيها الوزرا غنجة» ويعتكفون أو «يحردون» من دون أن يحاسبهم مجلس نواب معطّل لأنّ دستوره بات رهناً بتفسير شخص واحد، هو رئيس المجلس، ونواب يتسلّون بالجدل البيزنطي عن جلسة انتخاب قبل جلسة التشريع، وبهذا التهافت السخيف تنهار الدولة بمؤسساتها وشعبها، مع ملاحظة أنّ «الأنظمة» سواء أكانت ديكتاتورية أم ديموقراطية أم ملكيّة أم إمبريالية أو نازيّة أو فاشيّة تزول كلّها بطبقاتها السياسيّة وتبقى الشعوب، وهذا اليوم في لبنان «مهما تأخر جايي»، وهذا العفن السياسي لا بُدّ ستزيله الأمطار أو النيران، المهمّ أنّه زائل زائل زال…

في هذا المشهد السياسي اللئيم يكاد يُطابق حالنا في التضجّر  حال أبي الطيّب المتنبي في ذمّ واقعٍ حاصر «طموحه» العنجهيّ هو الآخر: «أذُمّ إلى هذا الزّمانِ أُهَيْلَهُ/ فأعْلَمُهُمْ فَدْمٌ وأحزَمُهمْ وَغْدُ/ وأكرَمُهُمْ كَلْبٌ وأبصرُهُمْ عَمٍ/وأسدُهُمْ فَهدٌ وأشجَعُهم قِرْدُ»!!