عندما يعيشُ المسؤولون في لبنان “ترف الوقت” في ظل الأزمات الكبيرة والكارثية هذا يعني أن هؤلاء المسؤولين لا يدركون بالفعل عمق هذه الأزمة وتداعياتها، كما أنهم لا يملكون الحلول السريعة والفعالة، ولا يتفقون على خريطةِ طريقٍ تحاول إيصال البلد وأهلهِ إلى بر الأمان.
وقد يكون “ترف الوقت” هذا مقصوداً أيضاً لجهة أن تبقى المسؤوليات ضائعةً بين المسؤول السابق والمسؤول الحالي، علماً أن الحكم استمرارية، وأن هذا “الترف” لن يكون أبداً خشبة الخلاص للطبقة السياسية التي أوصلت البلاد إلى المأساة التي تعيشها اليوم.
يتميزُ المسؤولون اللبنانيون بحرفية الهرب من المسؤولية وبإلقاء اللوم على أخصامهم وظروفٍ محلية وإقليمية ودولية لتبرير فشلهم في القضايا التي كانوا يبشرون أنهم سيبرعون بها، وليس في قاموسهم ما يُعرف بالإعتراف بالحقائق لأنها لن تكونَ أبداً لصالحهم، ولأن صورة القداسة والألوهية التي أحاطوا أنفسهم بها لا يريدون لها أن تُمسَّ عند أتباعهم المستعدينَ لبذل الأرواح والدماء في سبيلهم، ولو على حساب جوعهم ومرضهم وفقرهم.
لقد استطاعَ هؤلاء المسؤولون بالفعل تدجين قسم كبير من الشعب اللبناني بحيث أصبح هؤلاء يرون في ثقافة الموتِ حياةً، وفي الحرب سلاماً، وفي عدم الاستقرار ازدهاراً، وفي قلب الحقائق والكذب صدقاً، فتعطلت عقولهُم وانقلبت لديهم المفاهيم المنطقية والطبيعية، وأضحوا أدوات في يد هذا المسؤول أو ذاك وفي قبضة هذا الزعيم أو ذاك، فاستخدمهم في وجه من انتفض ضد من حرموه لقمة العيش، ومقعد الدراسة وسرير المستشفى، ورغبة العيش بكرامة وذلك في مفارقة غريبة عجيبة، إذ إنّ المتصديَ للمنتفضين يعيش المعاناة ذاتها أيضاً ولكنه يقدِّمُ على مآسيها فرحه بزعيم أو مسؤول يعبده، ويعتبر أي كلام عن محاسبته كفراً يستوجب قطع رؤوس الكافرين.
عللُ لبنان كثيرة بعضها قابل للعلاج والبعض الآخر يبدو أنه مستعصٍ، وقد أصبحنا جراء هذا الإستعصاء على قاب قوسين أو أدنى من إعلان وفاة الوطن، وطنٌ لا يُمكن خلاصه إلا إذا اقتنع أتباع الزعماء أنهم ليسوا سوى حطب، يشعلونهم في مشاريعهم ومصالحهم المحلية والخارجية، وأن وقف حريقهم وحريق الوطن بكل ناسه لن يتوقف إلا بإحراق شهوة السلطة والتسلط والإذلال الموجودة عند زعمائهم… و”عود الثقاب” يحملهُ هؤلاء المواطنون في عقولهم ويحتاج فقط لأن يشعلوه.