«أيها اللبنانيون،
نحن نواب التغيير جئنا إلى مجلس النواب لنُغيّر حياتكم الرتيبة، ونُجدّد أولوياتكم السخيفة، ووضع كل المشاكل والأزمات المتراكمة جانباً، وطرح برنامج جديد يتضمن البنود المصيرية التالية:
١- إعتماد الزواج المدني بدل الزواج التقليدي وإلغاء المحاكم الروحية.
٢- تشريع المثلية الجنسية بقانون في مجلس النواب، تكريساً لمبادئ شُرعة حقوق الإنسان.
٣- إباحة زواج المثليين وإلغاء المواد المتعارضة معه في القوانين اللبنانية، وخاصة المادة ٥٣٤ من قانون العقوبات الجديد».
هذا الخطاب المفترض كاد أن يتحوّل إلى حقيقة صارخة فيما لو حصلت تظاهرة المثليين أمس، وتبارى نواب التغيير في الخطابات التي تبرر الممارسات الجنسية الشاذة، والغريبة عن معتقداتنا الدينية ومفاهيمنا الإجتماعية، مسلمين ومسيحيين، وتروّج للعلاقة الجنسية بين أفراد الجنس الواحد.
أما المشاكل المتزايدة التي يتخبط فيها البلد، ودفعت بالأكثرية الساحقة من اللبنانيين إلى تحت خط الفقر، فكلها مسائل تنتظر الحلول المناسبة لها، بعد شرعنة المثلية الجنسية.
لم يعد خافياً أن الإخفاقات، الواحد بعد الآخر ، التي أصابت نواب التغيير في الإستحقاقات الدستورية المتتالية، من إنتخابات نائب رئيس مجلس النواب، إلى إنتخابات اللجان النيابية، إلى تفرق أصواتهم في الإستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة المكلف، وصولاً للإستشارات غير الملزمة للرئيس المكلف اليوم، كل هذه الإخفاقات قد سارعت في إستهلاك رصيد نواب التغيير عند ناخبيهم أولاً، وعند كل لبناني كان يُراهن على التغيير والتخلص من هذه المنظومة السياسية الفاسدة، فضلاً عن مشاعر الخيبة التي سببتها مواقف هؤلاء النواب المتناقضة حيناً، والمتباعدة أحياناً، والتي تنتهي غالباً بإنقسامات حادة في الخيارات، تؤدي إلى ضياع فعالية الصوت التغييري في الإستحقاقات الدستورية.
لقد تناسى نواب المثلية أن البلد غارق في العتمة منذ أشهر، وخطط الكهرباء محور نزاعات أهل الحكم وتنافساتهم على المحاصصة والصفقات.
لقد تجاهل النواب الأغرار في السياسة أن المياه مقطوعة عن بيروت والمدن ومعظم المناطق الأخرى، بسبب غياب أعمال الصيانة، وعدم إعتماد الخطط المناسبة لتلبية حاجات الناس إلى كل قطرة ماء تذهب إلى البحر، أو تتسرب من السدود الفاسدة.
يبدو أن هؤلاء النواب من أنصار الملكة الفرنسية ماري أنطوانيت التي دعت شعبها الفقير لأكل البسكويت إثر فقدان الخبز، لأنهم يتصرفون وكأن لا أزمة رغيف في لبنان، في حين أن الناس تتقاتل للحصول على ربطة الخبز المعمّدة بدم الضحايا على أبواب الأفران.
ولا ندري إذا كان هؤلاء النواب يشعرون بإرتفاع أسعار المحروقات المطرد، والذي يحرق أكباد السائقين العموميين، وكل أصحاب الدخل المحدود، وأدى إلى الإضراب العام لموظفي الدولة والإدارات العامة.
ولم نسمع صوتاً واحداً من التغييريين يستنكر هذا الإرتفاع الجنوني في أسعار السلع الغذائية الضرورية، ولم نرى مسعى جدياً من أحدهم في المحاولات المبذولة لمعالجة أزمة الدواء، والتوصل إلى صيغ مقبولة لمشاكل الإستشفاء.
قد يكون مفهوماً أن تُطرح إشكالية المثلية في بلد يملك ترف الإستقرار السياسي، والإزدهار الإقتصادي، وشبكة أمان إجتماعي. أما أن تحتل هذه الإشكالية – المشكلة قائمة الصدارة في بلد يفتقد إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة البشرية، حيث لا ماء ولا كهرباء، ولا أمن ولا أمان، ولا خبز ولا دواء، وشبابه يركبون مخاطر البحر بأنفسهم وعيالهم هرباً من جهنم السلطة الفاشلة والفاسدة، فهذا هراء بهراء، وإن دلّ على شيء فعلى الجهل المطبق لنواب التغيير للواقع المرير الذي يعيشه اللبنانيون، في مختلف مناطقهم، وعلى إختلاف طوائفهم، بعدما ضاعت أموالهم وجنى أعمارهم بين فساد الدولة وتواطؤ المصارف.
لقد بدأت مشاعر خيبات الأمل من أداء النواب التغييريين تضرب ثقة ناخبيهم أولاً، واللبنانيين عامة. وإذا لم يبادروا إلى تصحيح المسار، والعودة عن الإنحراف في الطروحات، وإعتماد برنامج أولويات يُحاكي أوجاع الناس وهمومها اليومية، في صمودهم الأسطوري أمام تقلبات الحكم الفاشل في جهنم، فلن يستطيعوا الحفاظ على ما تبقى من الرهان على دورهم الإصلاحي وبرنامجهم التغييري.
فهل هم فاعلون… قبل فوات الأوان؟