IMLebanon

فتنة الشذوذ تهدّد السلم الأهلي ومولوي يتحصّن بالقانون ودعم دار الفتوى

 

أقصر الطرق لحماية الوطن من التفكّك جبهةٌ أخلاقية جامعة

ربما لا يدرك لبنانيون كثر حجم المخاطر التي يحملها جعجعاة قوننة الشذوذ في لبنان، ولعلّ ما جرى ويجري في مونديال قطر نموذج عن التوحش الشاذ في فرض هذا المسار على البشرية جمعاء وبشكل شديد الوقاحة والقبح وكسر الحياء ومعاداة القيم الأخلاقية والدينية بشكل غير مسبوق، وهذا ما بات يسلك طريقه في الإعلام وبعض المواقع السياسية المتغرّبة، ويحاول فرض مفاهيمه ومصطلحاته على مجتمع معروف بأنّه محافظ ويحترم القيم الدينية.

شذوذ وليس «مثلية»

من المهمّ في مقاربة هذه القضية تصحيح المصطلح المستخدم، فتسمية المثلية عبارة عن غلاف مخادع لحقيقة هذه الفئة من الناس، والصحيح أنّ التسمية الدقيقة لهم ولحالتهم الشذوذ وليس المثلية التي توحي بنوع من المساواة الضمنية بين الناس، تخفّف كثيراً من وطأة المعنى الحقيقي لهذه الظاهرة التي هي الشذوذ بكلّ ما يحمله هذا المصطلح من معانٍ سيئة ووضيعة وخارجة عن الفطرة السليمة.

حملة الغرب الهمجية تطال مجتمعاتنا

ولفهم ما يجري علينا فهم التحولات الشاذة التي تشهدها المجتمعات الغربية وخاصة أوروبا وكندا، حيث تقدّمت التيارات الداعية إلى قوننة الشذوذ وتمكّنت من فرض توجهاتها حتى أصبح كلّ من يتمسك بالقيم الدينية ويرفض المسّ بها مخالفاً للقانون، وهذا بات يشمل فرض تدريس حالات التحوّل الجنسي للأطفال في سنواتهم المبكرة على مقاعد الدراسة، ومنع الأهل من توعيتهم أو غرس التعاليم الدينية والأخلاقية لديهم، لا بل وصل الأمر إلى اختطاف الأطفال من عائلاتهم ورميها بين شاذين يزعمون أنّهم يشكّلون «عائلة».

أصبحت المجتمعات الغربية تتيح للأطفال «خيار» تغيير الجنس في سنّ مبكّرة وتتيح لهم كذلك اتخاذ قرارات الانتحار وهناك المزيد والمزيد من «الحريات» التي تفقد المجتمعات حياتها، خاصة عندما تنتهي فكرة الزواج وتتعرّض الأسرة للانقراض.

لذلك، تصبح الدعوات المهدِّدة للأسرة في مجتمعاتنا العربية تمهيداً تلقائياً للوصول إلى إشهار حالات الشذوذ الفكري والجنسي، وهذا يقتضي الانتباه إلى أنّ المشكلات التي تعانيها النساء أو الرجال بسبب القصور وسوء التطبيق في المنظومة الدينية والشرعية، لا يمكن أن يجد الحلّ في سياسة التشفّي والانتقام والاتجاه نحو التمرّد الكامل على الشرائع الدينية.

الإصلاح في الجوانب الإدارية ضرورة

هذا الواقع يستدعي من دون شك من المرجعيات الدينية المسارعة إلى عقد ورش العمل القانونية والاجتماعية والنفسية والتوسع في التعاون مع المؤسسات العاملة في هذه المجالات، على صعيد كلّ طائفة لمراجعة الثغرات الإدارية والإجرائية والعمل على سدّها وإغلاق أبواب الفساد بشكل صارم، وعدم السماح بتحويل المشاكل القائمة في المحاكم الشرعية إلى مداخل لشياطين الشذوذ حتى يضربوا أساس الدين والقيم الإسلامية والمسيحية على حدٍ سواء.

هكذا يهدِّد الشاذون السلم الأهلي

لم يعد ممكناً اعتبار الدعوات للسماح بالنشاطات الشاذة مجرّد ترفٍ اجتماعي، أو تصنيف القائمين بها مجموعة تريد تأمين تموضعها في المجتمع بسلام، فالأمر عكس ذلك تماماً، لأنّ أصحاب هذا التيار يعتدون على القيم الاجتماعية والدينية ويريدون هدم كيان الأسرة وتدمير حصانة المجتمع، فهم بهذا المعنى يشكّلون خطراً حقيقياً على السلم الأهلي، لا يمكن تجاهله على الإطلاق.

في لبنان يأخذ كلّ شيء لوناً طائفياً ومذهبياً، حتى الفاسدون ينجح كثيرون منهم بالتلطّي بالطائفة، وذلك سيحصل مع دعاة الشذوذ، حيث يريدون الاحتماء ببعض الطوائف والمجتمعات التي يعتقدون أنّها ستكون متسامحة معهم، فينقلون المسألة من صراع حضاري اجتماعي إلى نزاع طائفي بغيض يؤدّي إلى انقسام إضافيّ جديد في المجتمع.

هنا يبرز الدور الهام للمجتمع الأهلي بمؤسساته المتنوِّعة بالتعاون والتكامل مع المرجعيات الدينية لحماية الأسرة والكيان فلبنان بطبيعة تأسيسه يجمع الحرية واحترام الأديان، كما جاء في المادة التاسعة من الدستور التي نصّت على أنّ «حرية الاعتقاد مطلقة والدولة بتأديتها فروض الاجلال للّه تعالى تحترم جميع الأديان والمذاهب وتكفل حرية إقامة الشعائر الدينية تحت حمايتها على أن لا يكون في ذلك إخلال في النظام العام وهي تضمن أيضاً للأهلين على اختلاف مللهم احترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية».

ad

كما تنصّ المادة العاشرة من الدستور على أنّ «التعليم حرّ ما لم يخلّ بالنظام العام أو ينافي الآداب أو يتعرض لكرامة أحد الأديان أو المذاهب». كما أنّ المادة 534 من قانون العقوبات اللبناني التي تنص على أن «أي مجامعة خلافاً للطبيعة يعاقب عليها بالسجن لمدة تتراوح بين شهر وسنة واحدة، وبغرامة تتراوح ما بين 200 ألف ومليون ليرة لبنانية».

محاولات فاشلة وضغوط غربية لقوننة الشذوذ

شهد لبنان تدخّلات خارجية حاول خلالها سفراء غربيون تعديل القانون اللبناني ليشرِّع للشاذين شذوذهم، وشهدت الانتخابات النيابية الأخيرة وصول بعض النواب «السنّة» (إبراهيم منيمنة) الداعمين لحركة الشواذ، لكنّهم لم يستطيعوا طيلة هذه السنوات إحداث التعديل القانوني الذي يريدونه، وإن كان تمكّنوا من خلال الضغوط الخارجية والمحلية من الحصول على قرار غير ملزم من مجلس شورى الدولة يعتبر تجمعاتهم قانونية، وهو الرأي الذي أسقطه وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي بالتكافل والتضامن مع مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان ودائرة واسعة من الجمعيات ورجال الدين من مختلف الطوائف والمناطق.

نحو جبهة أخلاقية جامعة

من هنا، يصبح الموقف الجامع لسماحة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان والوزير مولوي والجبهة الأخلاقية التي تشكّلت تلقائياً حولهما، والرافض بشكل قاطع لتشريع حالة الشذوذ والإجراءات الصارمة التي اتخذها لمنع أيّ تجمّع مخالف للقانون والفطرة، أساساً لتوسيع دائرة الوعي والتعاون لصدّ هذه الحملة السوداء وحماية الأسرة من هذا الوباء، ولحماية السلم الأهلي مما يتهدّده من فتن ستدخل البيوت والمدارس والجامعات وسائر المؤسسات، وأسلم الطرق لصدّها الالتزام بالقانون والسعي إلى تشكيل الجبهة الأخلاقية الجامعة.

إنّ العلماء ورجال الدين، مسلمين ومسيحيين، من جميع الطوائف والمذاهب والمؤسسات العاملة في الشأن الاجتماعي والإنساني والثقافي والإعلامي، مدعوون إلى التلاقي لتشكيل هذه الجبهة الأخلاقية التي باتت ضرورة فوق كلّ الاعتبارات السياسية والحزبية وهذه هي الآن الأولوية لأنّ الأسرة والقيم هي آخر ما تبقّى من حصون الحماية للشعب اللبناني.