لم يتردد وليد جنبلاط في الإعلان صراحة أنّ «عورات» الانتخابات البلدية، التي بدت جلية على «الحزب التقدمي الاشتراكي» كما غيره من الأحزاب والتنظيمات، لن تمرّ مرور الكرام. أكثر من ذلك، هو تقصّد التنبيه استباقياً بأنه ما من خيمة فوق رأس أي من القياديين أو الحزبيين «المتورطين»، وبأن سيف المحاسبة سيكون قاطعاً ولا مهاودة أو تهاون معه.
راح أبعد من ذلك، ليسمي «كبار» الاشتراكيين (غازي العريضي، أكرم شهيب، علاء الدين ترو)، ويبلغهم بالفم الملآن بأنّ «الارتكابات» التي وقعت في بلداتهم بسبب الاجتهاد الانتخابي أو مخالفة قرارات القيادة، ستكون موضع مساءلة حزبية، وإجراءات تأديبية اذا اقتضى الأمر.
لا يفعلها وليد جنبلاط اليوم في مرحلة أفوله الحزبي (كان يفترض أن يستقيل من رئاسة الحزب منذ أكثر من أربع سنوات)، إلا لأنه يريد للحزب العتيق أن يجدد خلاياه التنظيمية ليرفد عروقه بدم جديد يواكب مرحلة الصعود «التيمورية»، المؤجلة أيضاً بقرار من جنبلاط الأب، ليصير الابن هو الرقم الأول في الحزب وحامل «اللوحة الزرقاء».
ولا يفعلها إلا بعدما استشعر، كما أعلنها أكثر من مرّة، بأنّ الأحزاب أفلست، كل الأحزاب، باستثناء «حزب الله» طبعاً، وبأنّ الرأي العام تواق للتغيير حتى لو حمله إحباطه ورفضه لقوى الأمر الواقع السياسي التي أثبتت النتائج أنها الى تراجع جماهيري بسبب أدائها، الى السير وراء طروحات المجتمع المدني غير المؤطر. ولهذا لا بدّ من مراجعة نقدية شاملة تحاكي تطلعات الناس ورياح مزاجهم.
هكذا قرر الرجل إجراء نفضة تنظيمية في الحزب على خلفية «الخطايا» التي ارتُكبت خلال الاستحقاق البلدي، بواسطة مجلس الشرف الذي سيتولى هذه المهمة ويجري التحقيقات اللازمة لفصل خيط الانضباط الأبيض عن خيط التمرد الأسود. وبالفعل، تمّ تبليغ القسم الأكبر من المستدعين الذين ستتم مساءلتهم.
أكثر من عشرين حالة «اتهامية» موزعة على أكثر من أربع بلدات (منها كفرمتى، بيصور، الباروك، برجا…) سيبدأ مجلس الشرف يوم الاثنين الاستماع الى إفاداتهم، قبل وضع التقارير المفندة لكل حالة واتخاذ القرارات الملائمة.
ينفي الاشتراكيون وجود سقف للإجراءات التأديبية، ويتحدثون عن سلّم عقابي يبدأ بالتنبيه ولا ينتهي بالفصل، لكن الكلمة برأيهم متروكة لمجلس الشرف لتقدير الحالة والإجراء بحقها.
وفي هذا السياق، عقد مجلس قيادة «الحزب التقدمي الاشتراكي» اجتماعاً برئاسة نائب الرئيس دريد ياغي في المركز الرئيسي في وطى المصيطبة، حيث توقف عند الانتخابات البلدية والاختيارية مؤكداً في بيان له أنّ الحزب يتطلع الى أن «تنطلق البلديات المنتخبة بورشة إنمائية شاملة في البلدات والقرى وأن تطوي صفحة الانتخابات، وأن تعمل حصراً للمصلحة العامة بعيداً عن الحسابات الفئوية الخاصة».
وتدارس «الأداء الذي قدمه مسؤولو الحزب في مختلف المناطق، وإذ أثنى على الجهود التي بذلت في هذا المجال وثمّن عمل الماكينة الانتخابية للحزب التي حققت تقدماً في العديد من المناطق؛ إلا أن مجلس القيادة توقف أيضاً عند الإخفاقات التي وقعت في مناطق أخرى نتيجة تباينات في الآراء واجتهادات خاصة للبعض من الحزبيين، مؤكداً أنه ينتظر انعقاد مجلس الشرف الذي سيقوم بعملية مساءلة لجميع المعنيين من الحزبيين».
في مجال آخر، توقف مجلس القيادة «عند الانتخابات الأخيرة التي حصلت في نقابة الأطباء، فجدد تأكيده صيانة وتحصين دور نقابات المهن الحرة بعيدا عن التسييس والمحاصصة، وهو في هذا السياق يتابع أسباب عدم إبراء ذمة مجلس نقابة الأطباء، ربما لخلل في إدارة أموال النقابة، والحزب يدعو إلى محاسبة المسؤولين عبر التدقيق الخارجي الشفاف وعبر اختيار الشخص المناسب لأمانة الصندوق خارج كل اعتبار. والحزب سيبقي هذا الملف قيد المتابعة ليتخذ القرار المناسب وفق تطور المعطيات وشفافية التعاطي».