IMLebanon

تكريم ميشال عون… بالإعتذار من لبنان

 

من اطرف ما شهده لبنان اخيرا الإعلان عن  «مؤسسة»  هدفها «القيام بنشر فكر العماد ميشال عون في لبنان والعالم» و»تثقيف الشباب اللبناني لتعزيز الديموقراطية لديهم».

في اساس المؤسسة التي وافقت وزارة الداخلية اللبنانية على قيامها، وفقا للقوانين المرعية كلمتا «فكر» و «ديموقراطية». اذا كان ميشال عون اشتهر بشيء، فهو اشتهر بغياب أي نوع من أي فكر لديه واحتقاره الديموقراطية، أي ديموقراطية. لم يقبل النائب المسيحي، ذو الثقافة جدّ المتواضعة والذي يراهن على الغرائز لدى الطبقة المسيحية دون المتوسطة، تطبيق الديموقراطية حتّى داخل تيّاره. فرض ان يكون خليفته صهره الذي صار بين ليلة وضحاها صاحب ثروة كبيرة ووزيرا، علما أنّه سقط سقوطا ذريعا في كلّ مرّة ترشّح كي يكون نائبا. ترشّح الصهر وسقط في منطقة تتحكّم بها الأصوات المسيحية!

المعيب في الأمر أن بنات ميشال عون اللواتي تقفن وراء «المؤسسة»، لا تمتلكن ما يكفي من الشجاعة للقيام بعملية نقد للذات. تنطلق  هذه العملية من أنّ ميشال عون ليس ديموقراطيا ولا يعرف شيئا عن الديموقراطية. فكيف يريد نشرها وتعزيزها؟

 أمّا بالنسبة إلى الفكر، فحدّث ولا حرج. هناك رجل قادر على الإنتقال من الإعجاب بفكر صدّام حسين في اواخر ثمانينات القرن الماضي… إلى الإشادة بفكر بشّار الأسد بعد العام 2006 وصولا إلى السقوط في حضن حسن نصرالله، أي في حضن «الحرس الثوري» الإيراني ولا شيء آخر غير ذلك.

في الطريق إلى قيام «مؤسسة ميشال عون»، جمع النائب المسيحي الذي صنع له «حزب الله» كتلة كبيرة في مجلس النوّاب اللبناني، بين كلّ التناقضات. اتكل في كلّ وقت على ان مناصريه لا  يمتلكون الحدّ الأدنى من النضج السياسي والوعي الوطني. إنّه يفكّر عنهم ويفرض عليهم ما يجب قوله وما لا يجب قوله. وعندما يأتي سياسي معقول يمتلك منطقا مثل الوزير بطرس حرب ويسأله كيف يوفّق بين مجلس للنواب يعتبره «غير شرعي» وبين طلبه من هذا المجلس تعديل الدستور، لا يمتلك ميشال عون سوى الصياح للتهرّب من التعاطي مع المنطق، في حدّه الأدنى.

لا يرى ميشال عون عيبا في أن يعدل مجلس النوّاب «غير الشرعي» الدستور اللبناني كي يصبح انتخاب رئيس للجمهورية من الشعب مباشرة، معتقدا أن اصوات «حزب الله» الذي يستطيع الإتيان بجمهوره إلى صناديق الإقتراع عبر الفتاوى التي يصدرها، سيمكّنه من الوصول إلى رئاسة الجمهورية…

ليس عيبا أن يكون اي ولد معجبا بوالده، حتّى عندما يكون هذا الوالد مسؤولا عن تهجير مئات آلف المسيحيين من لبنان. العيب في الهرب من الواقع، عن طريق ممارسة لعبة الهرب إلى امام من دون تقدير للنتائج المأساوية لهذه اللعبة.

اذا كان هناك من خدمة تستطيع بنات ميشال عون تأديتها، فهذه الخدمة تتمثّل في اقناعه بتمضية الأيام الأخيرة من حياته في حديقة منزله في الرابية، وليس في حارة حريك طبعا، يعتني بالورود، بدل العمل على تهجير مزيد من المسيحيين من لبنان.

يبقى انّ هناك ما هو ابعد من الفكر العقيم وغياب اي ثقافة ديموقراطية لدى شخص مثل ميشال عون. يكشف الرجل، بما يمثّله، جانبا من الأزمة التي يعاني منها قسم كبير من المسيحيين في لبنان. في اساس هذه الأزمة العجز عن استيعاب ما يدور في المنطقة والتعاطي مع الأحداث الإقليمية، بما يخدم مصلحة لبنان واللبنانيين جميعا، مسيحيين ومسلمين.

في العام 1969، لم يوجد في لبنان سوى زعيم سياسي واحد وحيد، هو العميد ريمون اده اعترض على اتفاق القاهرة المشؤوم. ادرك ريمون اده معنى بداية التخلي عن السيادة والنتائج التي ستترتب على ذلك. كان هناك خطأ كبير ارتكبه المسلمون، خصوصا زعماء السنّة وقتذاك، الذين ضغطوا على رئيس الجمهورية شارل حلو، كي يقبل الإتفاق الذي ما لبث ان حظي بموافقة مجلس النوّاب.

كذلك، كان هناك نوع من الإنتهازية لدى الزعماء المسيحيين، خصوصا الأقطاب الموارنة، الذين كان كلّ منهم يطمح إلى رئاسة الجمهورية. وحده ريمون اده، الذي يمكن ان تكون عليه مآخذ كثيرة، خصوصا بسبب موقفه من الشهابية، رفض ان يكون اسير عقدة رئاسة الجمهورية. وضع مصلحة لبنان فوق مصلحته الخاصة.

كان ريمون اده رجلا عظيما. عندما يسمّى شارع باسمه، اكان ذلك في بيروت او جبيل، فإن رفع اسمه في مكان عام يشرّف بيروت وجبيل.

يكفي ريمون اده رفض الدائم اللجوء إلى السلاح  في كلّ وقت من الأوقات وفي كلّ ظرف.

رفض الدخول في لعبة الميليشيات المسيحية التي قاتلت المسلحين الفلسطينيين في لبنان. كان قتال الفلسطينيين وقتذاك ضروريا، لو انضم مسلمون إلى هذه المعركة، بدل تسهيل الميليشيات، على انواعها، عملية ادخال البلد في حرب ذات طابع طائفي. كان وراء هذه الحرب في كلّ وقت النظام السوري.

اراد حافظ الأسد وقتذاك استخدام المسيحيين في لعبة اخضاع الفلسطينيين من جهة وادخال المسيحيين في لعبة حلف الأقليات التي بات يؤمن بها ميشال عون من حيث يدري او لا يدري من جهة أخرى. كان الأسد الأب يرسل السلاح إلى الجانبين، إلى الفلسطينيين والمسيحيين، كي يوافق الأميركيون في نهاية المطاف، بضوء اخضر اسرائيلي،  على وضع اليد السورية على لبنان… على مسلميه ومسيحييه.

كلّ ما فعله ميشال عون في خريف العام 1990، أنّه استكمل عملية وضع اليد السورية على البلد عندما اوصل الجيش السوري إلى قصر بعبدا ووزارة الدفاع.

هناك بكلّ بساطة، لدى ميشال عون ومن على شاكلته، عقل عقيم يستخدمه حاليا «حزب الله» ومن خلفه ايران في تدمير ممنهج للبنان ومؤسساته. يستخدم ميشال عون حاليا في منع انتخاب رئيس للجمهورية، خدمة لإيران لا اكثر!

الخدمة الوحيدة التي تستطيع عائلة ميشال عون تقديمها للبنان واللبنانيين تتمثل في انشاء مؤسسة ترعى ميشال عون في شيخوخته، مؤسسة تتولى تقديم الإعتذار تلو الآخر عن الإرتكابات التي استهدفت لبنان واللبنانيين، منذ كان ميشال عون مجرّد مستشار من بين مستشاري الرئيس الشهيد بشير الجميّل، وهو بين ضحايا النظام السوري في لبنان الذي يعتبره اليوم ميشال عون حاميا لمسيحيي الشرق.

تكمن مشكلة ميشال عون والمؤمنين بفكره وديموقراطيته، أي بشيئين غير موجودين، في أنّ لا مكان لديهم للإعتذار ومراجعة الذات. وحدهم الكبار في هذا العالم يعتذرون. وحدهم الكبار يمتلكون من العلم والمعرفة والتواضع، ما يكفي للقيام بمراجعة نقدية للذات. على سبيل المثال فقط، وقف نهاد المشنوق، بصفة كونه وزيرا للداخلية، ليقول في تكريم ريمون اده في جبيل قبل أيّام: «كم كنت على حقّ حين رفضت بعناد اتفاق القاهرة  وهو الإتفاق الذي شرّع البلاد امام تجربة السلاح الفلسطيني وانا من جيل ينتمي إلى هذه الخطيئة بحقّ لبنان واللبنانيين. كم نحتاج إلى صلابتك ورؤيويتك لتهدئة اهل السلاح اليوم…»

في الإعتذار، والإعتذار فقط، يمكن لميشال عون ان يكرّم نفسه… او ان يجد من يكرّمه في حال كان مطلوبا ان يكون كبيرا بين الكبار، حتّى لا نقول اكثر من ذلك.