عندما فكر الرئيس نبيه بري بأن يدعو الى الحوار، كان يعرف ان الجميع ينتظرون جرعة امل لاعادة الامور السياسية الى نصابها، واثبتت ردود الفعل على الدعوة الى الحوار، انها جاءت في محلها، حيث الجميع في امس الحاجة الى ما يفهم منه ان السلطة والسياسيين في آن قد وصلوا الى حد الاختناق في حال تأخروا عن اخذ جرعة من الاوكسجين الذي يأخذ في الاعتبار المعنى الحقيقي لاختناق اللبنانيين بالنفايات وبالكهرباء والماء والمعيشة وصعوبة مواجهة متطلبات الحياة!
ان الصرخة الموجعة التي اطلقها متظاهرو يوم السبت الفائت لا بد وان تفعل فعلها، لاسيما انها مرهونة بفترة زمنية تنتهي اليوم الثلاثاء، كي لا تبقى الامور عالقة، كما يظـن بعض خبثاء السياسة ممن هم على استعداد لان يبيعوا وطنهم بمنصب او بسهم في مصرف، حتى ولو اقتضى الامر ان تبقى النفايات في الشوارع لاكبر مدة ممكنة ومعها الكهرباء المقننة حتى الاختناق.من هنا يفهم الجميع ان المطلوب عمل سياسي – سلطوي ملح لتلبية المطالب من غير حاجة الى المزيد من هدر الوقت (…)
ومن هنا ايضا يفهم الحوار على انه فترة زمنية محددة لتلبية الوعود لا الى تعليقها على امل ان ينساها المواطنون الضعفاء في كل شيء تقريبا باستثناء رفع الصوت والنزول الى الشارع للتظاهر وللاعلان عن وجعهم، وهذا بدوره مرهون بكلمة حق تقال مهما اختلفت الاراء حيالها، خصوصا ان اصحاب الرأي لن يعدموا وسيلة للضحك على المطالبين بحقوقهم، لكن زمن التراجع السياسي، مع ما يعنيه ذلك من ضرورة وضع الاصبع على الجرح!
من حيث المبدأ، الحوار قائم بين تيار المستقبل وحزب الله وبين التيار الوطني والقوات اللبنانية، بما في ذلك فان الاتصالات واللقاءات لم تتوقف بين حزب الكتائب والبقية الباقية من المنظومة السياسية في لبنان، لكن من الافضل والاسلم عاقبة ان تتوضح صورة ما هو مرجو من الجميع عبر الحوار الذي دعا اليه رئيس حركة امل رئيس مجلس النواب نبيه بري، كي لا يقال لاحقا ان ثمة تقصيرا في فهم ما هو مرجو من الجميع على السواء. والمقصود بالجميع هنا من هو مسؤول عن المطبات السياسية والادارية والاقتصادية والمعيشية التي يرزح اللبنانيون تحت ما هو تحتها!
واذا كان من مجال لان يقال كل شيء في الحوار، فان المطلوب من الجميع ان يفهموا استحالة البقاء في هذه الدوامة التي قد يؤدي تجاهلها الى ثورة بكل ما تعنيه الكلمة من معان يفهمها الجيل الجديد نزولا الى الشارع والسير قدما في تدمير كل ما يطلع في وجههم. اي ان الثورة على الابواب كي لا نقول انها بدأت بزخم من خلال ما لم يسبق للبنانيين ان شهدوا مثله من تجمعات مطلبية كانت قريبة جدا من ان تنفجر على ارض الواقع لولا شعلة الحضارة التي تعنى للجميع ان الوطن وطنهم ولا يعقل ان يدمروه بأية وسيلة ممكنة!
المهم، ان لا يتأخر الحوار الى ما بعد ارتفاع المزيد من جبال النفايات والى ما بعد المزيد من قوننة الكهرباء وقطع المياه، فضلا عما قد ادى اليه تعليق نشاطات مجلس النواب الباب الاساسي للتشريع وللسير قدما في كل ما هو مرجو عبر ما ينص عليه الدستور وما تنص عليه القوانين والاعراف، خصوصا بالنسبة الى انتخاب رئيس للجمهورية وتنازل البعض عن «تشاوفهم» الشخصي والسياسي بما يقضي بالنزول الى مجلس النواب وحضور جلسات انتخاب الرئيس!
لقد سبق القول ان الحوار لا بد وان يشكل جرعة امل وجرعة اوكسجين يحتاجها الجميع، قبل ان تتطور الامور نحو الاسوأ، لاسيما ان العمل بالمطالب يحتاج الى كثير وقت يخشى ان تنفجر الساحة العامة في حال كانت ميوعة في مجال العمل بموجبها، حيث لا فرق بعد اليوم بين سياسي واخر لان الجميع في سلة مطلبية واحدة من الصعب بل من المستحيل عليهم تجيير المشاكل والمطالب الى من سبق له ان حكم، طالما ان الحكم استمرارية (…)
واذا كان من مجال لالتقاط الانفاس، فان الموعد الذي حددته اللجان الشعبية – المطلبية على الارض لا يسمح بان تبقى الامور عالقة الى حوار والى ما يشبه السجالات التقليدية، لاسيما ان الفلتان وارد و هذا ما على الجميع ان يفهمه بمعزل عن نظرته الى ما يمكن للحوار ان يؤدي اليه، من الان الى حين «التقاء الابطال» المعنيين مباشرة بما هو مطلوب لتخطي مجموعة محن يستحيل السكوت عليها؟!