IMLebanon

هدية مأمولة من عبدالله الثاني إلى لبنان عون – الحريري

بات من الطبيعي في ضوء بضع سنوات من مرارة العيش وإستشراء العناد والتحديات، عدا الفساد والإفساد،عاشها لبنان وإنعكست سوءاً على بنيه، وإساءة لبعض الأشقاء العرب، أن تكون هنالك وقفة تأمُّل من جانب الذين ألحقوا وعن سابق تدبير الأذى البالغ بلبنان السمعة ولبنان المصالح.

ووقفة التأمل هذه قد تدفع بمَن ألحقوا الأذى إلى صحوة تعقُّل وضمير يقول فيها المؤذي مخاطباً نفسه: لقد أسأنا بالفعل ولا أغراض من وراء الإساءة تحققت سوى الأذى. وإذا كان أقرب الناس إلينا لا يرفعون الصوت عالياً فهذا السكوت من جانبهم ليس علامة الرضى على نحو القول الشائع، وإنما السكوت هو حالة إعتراض صامت على ما تسبَّبت به الألسنة في أكثر من حشد جماهيري.

إن كشْف حساب لعشر سنين مضت يؤكد أن الخسران كان هو المحصول من العناد والمكايدة والتحرش في أمور الآخرين أو آخرين. ولولا أن حالة الصحوة تشبه الغيمة العابرة في سماء حياة اللبنانيين وجَعْلهم يتفاءلون خيراً متوقعين أن يعوِّضهم الله سبحانه وتعالى ما أفقدوهم البعض من أصحاب المقامات السياسية والحزبية، لما كان في الإمكان أن نرى طائرة رئاسية تتحرك في إتجاه دولة شقيقة أو صديقة ويلقى رئيس البلاد حُسْن الإستقبال والوفادة شأنه في ذلك كما شأن أكثر من مئة وخمسين رئيس دولة يتنقلون ويتبادلون الزيارات ويؤكدون بزياراتهم الحرص على مصالح العباد وإستقرار البلاد. ولقد كان مدعاة حزن دفين أن رؤساء يشاركون في مؤتمرات ودورات على مستوى القمة أحدثها القمة العربية الدورية في موريتانيا، لكن لبنان لا رئيس له كما سائر الرؤساء.

المهم أن حالة اليُتم الرئاسي طُويت من صفحة الحُكْم في لبنان وبات في إستطاعة لبنان إستعادة المكانة والدور يكمل بهما المتبقي من مستلزَمات شفائه من الذين أمرضوه وكادوا يرمونه في المجهول. وعندما يبدأ لبنان إستعادة الدور الذي كان محجوراً عليه، ويبدأ الرئيس ميشال عون بزيارة السعودية هذه الإستعادة فهذا مؤشر إلى أن هنالك إقتناعاً بأنه لا بد من التسطير في صفحة جديدة من التعامل البعيد عن المكايدة. وفي تقديري إن مسألة المساندة العسكرية وعودة الإستثمار العقاري والسياحة لا تحتاج إلى محادثات لأنها في الأصل مِن الثوابت. أما المطلوب فهو أن يؤكد لبنان بعد الآن أنه من حيث الممارسات هو غير لبنان قبل السنوات العشر الماضية. وعلى هذا الأساس فإن لبنان سيكون لبضعة أشهر تحت المجهر السعودي والخليجي عموماً، وكي يبقى كلام النهار لا يمحوه الليل وبالعكس.

وحيث أن لبنان المعتَل في أشد الحاجة إلى عناية عربية شاملة، فيا ليت الملك عبدالله الثاني يجيِّر إلى لبنان بطبعته المستجدة عونية – حريرية القمة العربية الدورية الثامنة والعشرين المقرر حسب الترتيب الأبجدي إستضافتها يوم 28 آذار 2017 في عمان (بعد إعتذار اليمن الذي يقاتل بعضه بعضاً). وهو بهذه الهدية التي لها طابع النخوة وسبق أن قدَّمها إلى لبنان الطيِّب الذِكْر رئيس دولة الإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، عندما أهدى لبنان القمة الدورية الثانية التي كانت ستُستضاف في أبو ظبي بعدما رأى بثاقب البصيرة أن يدعم شأن لبنان، وكان الدعم كبيراً. ففي تلك القمة إلتقى الجميع بمَن فيهم الكويت والعراق يوم 27 مارس 2002. وفي تلك القمة حقق المغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز (وكان ما زال ولياً للعهد) أول إجماع عربي على ما إصطُلح على تسميته «مبادرة السلام العربية». وبعد تلك القمة بات لبنان صاحب رقم في «أجندة» السياسة الدولية كون أول خطوة عملية على طريق ترويض الصراع العربي – الإسرائيلي وقيام دولة فلسطينية حدثت على أرض لبنان. ولأن ذلك حدث بدأ لبنان يستعيد العافية إقتصادياً إلى أن قررت إيران إختطاف هذا الشأن منه. وقد نجحت جزئياً في ذلك. وبعد الآن وفي ضوء زيارة الرئيس عون للسعودية وإصغائه بكامل التنبُّه إلى تقييم الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي يكمل في حرصه على لبنان ما بدأه أشقاؤه وإخوانه الراحلون هدياً بوصية والدهم المغفور له الملك عبدالعزيز، فإن أمام لبنان فرصة لما هو أكثر من إلتقاط الأنفاس إنما شرط الإلتزام بالكلمة وإعتماد المبدئية أسلوب تعامُل.

… ويا ليت المملكة الأردنية الهاشمية التي لا ينقصها الحرص على لبنان تهديه القمة المشار إليها، فظروف الماضي اللبناني قبل 14 سنة شبيهة بعض الشيء بظروف الحاضر اللبناني. وبذلك يستقر الملك عبدالله الثاني في الذاكرة اللبنانية كما آخرين راحلين من بينهم والده الملك حسين والشيخ زايد. وعلى الله الإتكال.