IMLebanon

أفق التهويل المسدود

 

الحملة المتصاعدة لدول «محور» الممانعة على قرار الحرب ضد الإرهاب و«داعش» وعلى رفض قوى الائتلاف الوليد قبول «مشاركة» سلطة بشار الأسد فيها، أو اعتبارها مؤهلة في السياسة والوظيفة والميدان، لأي دور راهن ومستقبلي في تلك الحرب وفي سوريا عموماً.. هذه الحملة تذكّر بواحدة مماثلة جرت في آب من العام الماضي عندما بدأت التحضيرات الأميركية الغربية لتأديب الأسد على استخدامه السلاح الكيماوي.

آنذاك أيضاً، بقيت آلة الأسد وحماته في دول «المحور» تشتغل حتى اللحظات الأخيرة على تلبيس المعارضة الثوب الوسخ لتلك الجريمة الكيماوية الصادمة. وعندما يئست وركبها الضنى، انطلقت في حملة تهويلية هدّدت (أيضاً) بحرق المنطقة والأخضر واليابس فيها، بل توعّدت بحرب عالمية ثالثة! لكن عندما تبيّن أن الأميركيين لا يناورون (قبل أن يناوروا ويشلّحوا الأسد السلاح الكيماوي إيّاه!) بدأت نغمة جديدة تخرج من طهران الى موسكو: الإيرانيون تملّصوا من قصّة التصدّي «للعدوان الإمبريالي المرتقب». وموسكو فعلت مثلها وأكثر. بل هي التي تولّت تفاصيل الصفقة المعروفة التي دفعت بالأميركيين الى التراجع عن ضربة التأديب.

اليوم هناك قصّة أخرى لكنها أكثر مرارة بالنسبة الى الأسد وحماته في دول «المحور» الممانع: فعلوا كل شيء، وحرفياً كل شيء، من أجل وضع العالم أمام معادلة الاختيار بين «الإرهاب» والسلطة الأسدية وفشلوا في ذلك.. وطالما أنه لم تبقَ هناك بضاعة لتعرض في صفقة جديدة، ولم يعد الوسيط الروسي مؤهلاً للعب ذلك الدور، فإن احتمالات تكرار قصة آب 2013 في أيلول 2014 تبدو واهية وغير منطقية بالمرة.

… وبناء عليه، عادت لغة التهويل الممانع لتلعلع في فضاء مفتوح. وبدأت تتصاعد شيئاً فشيئاً خبريات تتوعّد الأميركيين بالويل إذا أخطأوا التهديف!

لكن الحاصل هو أن الدنيا لا تزال تدور في مستقر لها. وحدود ذلك التهويل أوهى من أن تُرى، تماماً مثلما كان حالها في آب 2013، مع أن الأمور هذه المرّة ذاهبة الى الآخر: القرار بسحق «داعش» ليس مناورة. والابتزاز في ذلك لن ينفع. بل إن الحرب ستعني حكماً أن من سيأخذ الأرض بعد الإرهاب لن يكون «جيش الأسد» بل النواة العسكرية الأولى للثورة السورية. وذلك سيعني لاحقاً، شيئاً مماثلاً بالنسبة الى من سيأخذ السلطة التي ستقود سوريا.

والتوضيح واجب: الحرب الراهنة ستكون ضد «داعش» مباشرة ولن تستهدف مواقع السلطة وقواتها إلا إذا «أرادت» ذلك من خلال الأخذ بمقولة بثينة شعبان الأثيرة!! لكن حقائق الميدان والمواقف السياسية العامة لقوى الائتلاف ستعني حتماً، أن هذه الحرب ستصيب الأسد بأضرار جانبية فادحة.. وكاسحة!

.. لن تغيّر موجات التهويل المتتالية شيئاً من تلك الحقائق. فهذه ليست ولن تكون فقط نتيجة مباشرة أو غير مباشرة للحرب على الإرهاب، إنما أيضاً نتيجة جملة المعطيات التي تراكمت منذ بدء الثورة السورية وجعلت سقوط سلطة الأسد ترجمة حتمية لها.. برغم التأخير الذي عطّل تلك الترجمة لأكثر من عام كامل!