تتكرّر ألوان سماء بعيدة: أزرق فاتح وغامق للبحر وبينهما لون أفق زهري، الألوان ذاتها عند الفجر قبل الشروق، وعند الغروب، بعد أن تعبر الشمس، وللحظة أكاد لا أعرف هل أنا أمام نهار جديد أم ينتظرني ليل ونجوم ونصف قمر.
ويطلع الضوء، أول خبر في نشرة أخبار الصباح ان ذاك الأزرق قد ابتلع عائلة لبنانية مهاجرة إلى أرض ربما قد تحمل إليها حياة، فرفضت أرض لبنان إلا أن تحتضن أجسادها التي فارقتها أرواحها إلى حيث لا نعرف حقاً، إنما “نؤمن” أن درب ذاك المكان تقود إما إلى مطهر وإما إلى جنة وإما إلى نار أبدية رافقت مخيلة الإنسان الخاطئ الأبدي.
وتوالت الأخبار، هل توقف الحراك المدني الذي حمل أحد مفاتيح التغيير على رغم فساد كل شيء في وطن تضمنا أرضه، مفككين ومشلّعين كعصافير ابتلعتها عاصفة رملية آتية من صحراء جنوب شبه جزيرة عربية حيث بلدان خليج جافة، تفوح منها رائحة غاز ونفط وفساد؟
ويعانق فسادها فسادنا، ألسنا أشقاء عرباً؟ نتشارك الغباوة والتخلّف والتبعيّة لغرب وحش سارق ثروات الأرض على مرّ تاريخه، ولا تهمّه الأديان والمذاهب أياً كانت، بينما نحن نتبادل الكيد والاتهام داخل إطار حقد ورفض مذهبي، وننكر أننا مذهبيّون، ونرفض فصل الدين عن الدولة في ظل قتال سنّي شيعي نغطي فيه اجتياحاً صاخباً لأراضينا التي تموج بالنفط وبالغاز. ثم نتحدث عن حرب صليبيّة جديدة لما تقرع روسيا باب سوريا داخلة تجذبها رائحة النفط، ممهّدة طريقها بالقضاء على إرهاب تكفيري، نفذ بدوره في تنفيذ غزو سوريا والعراق على أكمل وجه. فأي سحر أسود يشدنا الى قرون سابقة قتل خلالها الإنسان الإنسان داخل حروب دينية تمحو “الكفر” عن وجه كوكب المصالح الدولية والشخصية!
هكذا العرب، يقفون مع الغزاة بعضهم ضد البعض، ملوكاً ورؤساء، وحتى شعوباً نائمة. أما نحن في لبنان فلا رأس لنا، نتشارك والنفايات في وجه قطعة السماء، الوطن المفلس، الفارغ، حيث أصحاب الألقاب والحصانات لا يخجلون، فنتساءل لمَ علينا نحن، أهل هذه البقعة من الأرض، أن نحيا بلا غد متطوّر، وما نفع أن تتغيّر ألوان الأفق ولا نستفيق؟