لم يكن ينقص اللبنانيين المقبلين على ألف مجهول ومجهول إلا الرضوخ لقرار إسقاط شعار “كلن يعني كلن” لمصلحة صيحات “الموت لأميركا”، وذلك رداً على اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني.
فالولايات المتحدة وحدها المسؤولة عما ينتظرنا، بتجاوزها الخطوط الحمر في تجاذباتها غير البريئة مع إيران على حساب دول الإقليم، وتقويضها الخطوط الأفقية والعمودية، مطيحة بأولويات حاجات الشعوب التي تتباهي جمهورية ولاية الفقيه بالسيطرة عليها.
وأول الغيث، في أجندة الممانعة، سيكون استخدام الإغتيال ذريعة لإخماد كل الأصوات الداعية الى دولة مؤسسات، في لبنان كما في العراق وسوريا واليمن. اذ أصبح ثانوياً البحث عن سبل تلجم الوتيرة المتسارعة للانهيار، لأن حساسية المرحلة تفرض رفع التمثيل الديبلوماسي لـ”الحذاء” الأيديولوجي الى رأس الرئيس الأميركي دونالد ترمب وليس أقل.
وبالطبع ترجمة هذا الواقع الجديد ستنعكس ارتداداتها علينا، سواء من الممانعين او من الشيطان الأكبر. فالطرفان مصممان، كما يبدو، على جر كل منهما الآخر الى طاولة المفاوضات بشروط الأقوى وفق النقاط التي سيسجلها كل منهما من خلال اللعبة الدموية المتتالية حلقاتها في ساحات هذه الدول.
وعليه، فمن تحدثه نفسه بتغليب المصالح اللبنانية على معادلة المواجهة بين “المشروع الأميركي – الإسرائيلي” و”مشروع المقاومة”، نذكّره بأن الأحكام العرفية جاهزة أكثر من أي وقت مضى، لتصدر بحق أميركيي الداخل. فالفرصة ذهبية للتخلص منهم، ولا يمكن إهدارها.
ولا يهم ان كان هؤلاء الخونة والعملاء من المطالبين بتحييد لبنان، او الرافضين تشكيلة حكومية تلتزم تعليمات رأس المحور ورأس حربته، او المنتفضين بوجه الفساد المستشري في دائرة المحميين المسارعين الى مزيد من المواقف التي تعزل لبنان عن مصالحه. المهم إلغاء الحدود وحرية الحركة لتحصيل النقاط في اللعبة الدموية المرتقبة، على ما يهولون ويهددون.
فالصراع المفروض على اللبنانيين يكرس القبضة الحديدية ليس فقط لمصادرة السيادة التي أصبحت منذ زمن في خبر كان، ولكن لإلغاء الحدود على طريق الحرير وصولاً الى طهران، ما يستوجب الكثير من الوعي لتصويب بوصلة تحرك الساعين الى تغيير الطبقة السياسية التي أوصلت البلاد الى الإفلاس، تداركاً للإنغماس العميق في زمن التجويع والفوضى المرافقة له، أفقياً وعمودياً.
لذا، لا يمكن وبمواجهة استخدام ساحات غير إيرانية لتنفيذ المشروع الإيراني، الا التسديد المباشر في اتجاه العلة الفعلية التي تتيح للطبقة السياسية ارتكاباتها مقابل ولائها للمحور ومتطلبات تمدده.
ومع الإعلان عن استراتيجية لا تختلف عما كانت تنتهجه القاعدة لضرب المنشآت الأميركية إينما كان، تصبح العودة الى مواجهة أصل الداء هي الدواء الوحيد المتاح أمام اللبنانيين.
فرفع المطالب الاقتصادية والتركيز على الهموم العيشية ليس كافياً لحماية اللبنانيين من الجوع والفقر. والتطورات التي فرضتها عملية الاغتيال، أكدت ما كان مؤكداً، أن أي إنقاذ للبنان يجب أن يبدأ باسترجاع سيادته وقراره. لأن مصادرة هذه السيادة هي السبب الأول والأساس في التدهور الحاصل بالأفقي والعمودي، وصولاً الى ما نحن فيه