قراءتان أفقية وعامودية في نتائج صناديق الإقتراع البلدي والإختياري
الطبقة المتحكمة بالسلطة تلقت ضربة موجعة فهل تستسلم أم تحاول الإلتفاف؟
إن الطبقة التي واجهت المشروع الإصلاحي للرئيس فؤاد شهاب ما زالت هي نفسها عبر التوارث تتسلط على الحكم وتتحكم بمصالح اللبنانيّين
لا تزال الساحة السياسية تتقلب على وقع النتائج التي أفرزتها الانتخابات البلدية والاختيارية، وستستمر القراءات والتحليلات إلى وقت طويل في ضوء إجماع المراقبين على أن هذه الانتخابات بكل فصولها، وما شابها من ثغرات وجهت ضربة قوية إلى كل الطبقة السياسية التي تتحكم بالتوارث بالسلطة، وتستخدمها إدارة لتكريس زعامتها ونفوذها السياسي والمالي بالاعتداء على المال العام وتسخير الشعب لخدمة مصالحها الذاتية على حساب المصالح العامة ومصلحة المواطنين، الأمر الذي يدفع إلى الواجهة السؤال الذي يتردد هذه الأيام على لسان الأكثرية الساحقة من الشعب اللبناني، هل اتعظت الطبقة السياسية المتسلطة على السلطة على رقاب العباد والبلاد من هذه الضربة الموجعة التي وجهها إليها الشعب اللبناني من خلال الانتخابات البلدية والاختيارية أم أنها كعادتها ما زالت قادرة من مواقعها التسلطية من الإلتفاف على هذه الضربة واستعادة زمام المبادرة كحالها منذ قيام دولة الاستقلال قبل حوالى سبعين سنة.
يجمع المراقبون على الاعتقاد بأن الطبقة السياسية، تحسست بالضربة التي وجهها إليها المجتمع المدني بكل فئاته وشرائحه ومكوناته، وهي تعكف على دراسة هذا الأمر ومراجعة نقدية لسلوكها العام الذي أوصلها إلى هذا المأزق، لكن المراقبين أنفسهم ما زالوا يستبعدون أن تتعظ من هذه الضربة وتأخذ من عبرها بحيث تعيد النظر في سلوكها وتعاطيها مع المجتمع المدني ولو في الحدود التي تسمح بإعادة تموضعها ضمن الأطر التي تحترم الإرادة الشعبية بدلاً من اختزالها والتصرف على أساس تجاهل الرأي العام وعدم إيلائه أي اعتبار كونه مرتهناً لأجندتها وإرادتها ومشيئتها، ولا يوجد أمامه سوى العودة صاغراً إلى ما تسميه «الحظيرة» الطائفية التي يستولون على قيادتها بإسمها وبالنيابة عنها، وقد اطلقوا عليهم بدون وجل ولا خشية لقب أمراء الطوائف.
ويميل المراقبون إلى الاعتقاد بأن هذه الطبقة ستحاول الالتفاف على هذه الضربة التي تلقتها سواء في 14 آذار أو في 8 آذار وستعود إلى مواقعها قبل حصول الضربة السياسية لتحريك اللغة الطائفية نفسها التي استخدمتها للحفاظ على مواقعها وعلى نفوذها وسيطرتها على الشارع من قيام دولة لبنان الكبير وحتى تاريخه، وفي اعتقادها الراسخ أن هذه العودة من شأنها أن تتفوق على هذه الضربة وتعيد نفوذها وسيطرتها على الشارع المقسم طائفياً ومذهبياً بشكل عامودي، وهناك عبر التاريخ أكثر من دليل على قدرة هذه الطبقة التي توارثت الحكم على اختراق الواقع المفاجئ التي توضع فيه، واستعادة زمام المبادرة والسيطرة تبدأ مما يسمى بالثورة البيضاء التي قامت في العام 1952 ضد حكم بشارة الخوري إلى الثورة الحمراء ضد كميل شمعون وصولاً إلى المحاولة الإصلاحية التي قام بها الرئيس فؤاد شهاب والتي اضطرته إلى الإستقالة واعتزال العمل السياسي لأن الطبقة السياسية على الرغم من كل تناقضاتها اتحدت ضد مشروعه الإصلاحي وأرغمته على الاستقالة واعتزال العمل السياسي بشكل نهائي بعد ان اعترف بفشله وعجزه عن مواجهة الطبقة السياسية في ذلك الوقت.
ومن ينظر إلى تاريخ لبنان السياسي، وفق ما يروي أحد المراقبين، يتبين له أن الطبقة التي واجهت المشروع الإصلاحي للرئيس فؤاد شهاب ما زالت هي نفسها عبر التوارث تتسلط على الحكم وتتحكم بمصالح اللبنانيين، وبالتالي تصبح المقارنة بين ذلك الوقت والوقت الحاضر منطقية وسليمة.
لكن مصادر مراقبة أخرى ترى انه لم يعد الغبار السياسي والخطط الطائفية والمذهبية، ولا المواقف الرنانة الصادرة عن القيادات الحزبية، قادرين على التعمية على الحقائق التي أظهرتها صناديق الاقتراع الشعبية على هذه الطبقة وعلى تحالفاتها لا سيما ما تبقى من جمهور 14 آذار وحلم ثورة الأرز، وقد عبرت هذه القوى عن ارادتها الحقيقية برفض الالتزام بتوجيهات قياداتها، بل انقضت عليها في كل المناطق اللبنانية، ولا سيما في المدن الكبرى بطرابلس وبيروت وزحلة والنبطية وغيرها وغيرها، وقالت «لا» علنية وعبر صناديق الاقتراع لمن خذلوا حلمها وانخرطوا في ميدان تنازلات تكاد لا تنتهي، وقد أثبت هذا الجمهور انه أصبح في وادٍ وقياداته السابقة في وادٍ آخر، فالأول ما زال يتمسك بمشروعه القائم على الحرية والسيادة والاستقلال، فيما انغمس هم، أي القيادات في لعبة المحاصصات والزواريب الضيقة.
ولا يأخذ جمهور 14 آذار على قياداته ضرب حلمه في الصميم من خلال افتراقها في منتصف الطريق وعدم استثمار انتصاراتها فحسب، بل يذهب إلى السؤال إلى ما حققته من إنجازات عبر الفرقة وفي شكل خاص الترشيحات الرئاسية لقطبي 8 آذار والتي شكلت الشعرة التي قصمت ظهر البعير كما يقول المثل العربي المعروف حتى أنها رغم الصفعة الموجعة التي سددتها للتحالف السيادي لم تتمكن من إحداث خرق الحد الأدنى في جدار تصلب حزب الله ورفضه التدخل لحمل مرشحي 8 آذار على تأمين نصاب جلسات انتخاب الرئيس التي بلغت الأربعين من دون طائل فعلاً على تساهل هذه القيادات مع حزب الله الذي يستمر في العمل لربط لبنان بالدولة الإيرانية وعزله تماماً عن واقعه وانتمائه العربي.
وإذا كان هذا الواقع يؤشر إلى انفراط قوى 14 آذار، فإن الوضع بالنسبة إلى قوى الثامن من آذار وتحديداً بالنسبة إلى الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل لا يختلف كثيراً وإن اختلفت الأسباب، وما حصل من حركة اعتراضية في المناطق الشيعية سواء في الجنوب وفي بعلبك والبقاع يشكّل خير دليل على أن هذا الثنائي لم يعد مرغوباً به ولولا السلاح والقوة لكانت نتائج صناديق الاقتراع للانتخابات البلدية والاختيارية في المناطق الشيعية، متقاربة لصناديق الاقتراع في المناطق السنية والمسيحية والمارونية على وجه التحديد.