يُجمع كل من سمع خطاب الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله الأخير، وما رافقه من كلام مسيء بحق المملكة العربية السعودية، على أنه كلام نابع من إفلاس سياسي تعيشه القوى «المُمانعة» نتيجة تخبّطها في كل من سوريا والعراق واللتين أضيف اليهما تخبّط آخر في اليمن بعدما توحّدت جهود الدول العربيّة لمواجهة المد الفارسي نظراً الى دعمه حركة التمرّد التي تقودها جماعات الحوثيين.
ركّز نصرالله في جزء كبير من خطابه على السعودية، فاتهمها بالتآمر على القضيّة الفلسطينية والعمل على تقسيم اليمن وإخضاعه لسياستها، لكنه تناسى أن فلسطين ما زالت تتنفّس حتّى اليوم من خلال الدعم العربي وتحديدا الدعم السعودي وأن أهل فلسطين بكل إنتمائهم السياسي لا يعوّلون سوى على هذا الدعم اللامحدود وليس على مواقف استغلال الحلف الذي ينتمي اليه نصرالله لقضيتهم والذي لا يزيدهم في الاصل إلاّ إغراقاً وإرهاقاً وتكبيدهم المزيد من الإنقسامات والتشرذم.
بدا السيد نصرالله خلال خطابه مُربكاً وغير متماسك، وبدت علامات الانزعاج واضحة على ملامحه. خرج عن طوره أكثر من مرّة ولم يتقيّد بضوابط كلام منصوص خطّه عدد من مستشاريه، الأمر الذي أوقعه في التباسات ومساءلات ليس من قبل خصومه فحسب، بل من اطراف تؤيده في عقيدة قتاله للإسرائيلي، لكنها لا تتبنى هجومه على السعودية، خصوصاً أن لهؤلاء أبناء وأحفاد يتوزعون على اكثر من دولة عربية منذ عشرات السنين. وتحدث نصرالله عن الغزاة واستشهد بتاريخ لا ينصف الدول الغازية، لكنه تناسى أن حزبه واحد من هؤلاء، إلاّ إذا كان يعتبر وجوده في سوريا هو للسياحة وليس للإمعان في قتل وتشريد الشعب السوري.
وعن عملية «عاصفة الحزم» توجّه نصرالله بالسؤال إلى الدول العربية وفي طليعتها السعودية: كيف تحكمون على نوايا جماعة «الحوثيين» قبيل إتضاح الأمور والإجراءات والتحرّكات العسكرية التي قامت بها، وهو تناسى أيضاً كيف أنه تدخل بالحرب السوريّة تحت حجج متعددة بدأت بحماية القرى الشيعيّة ثم حماية المقدّسات وصولاً إل دعم محور «المقاومة» معلناً بذلك حكمه المُسبق على نوايا الثوّار السوريين ثم وضعهم في خانة «الإرهاب» حتّى قبل أن تُطلق رصاصاتهم الأولى باتجاه النظام السوري وليبرّر لاحقاً عمليّته «الاستباقية» هذه بقوله «لولا تدخلنا لوصل الإرهاب إلى العاصمة بيروت«.
لبنانيون كثر وتحديداً من أبناء طائفته راقبوا كلامه وسمعوه، لكنهم في المقابل رفضوه ورفضوا تهجمه على دول عربية شقيقة تؤوي مئات الآلاف من اللبنانيين، عدد كبير منهم من أبناء الطائفة الشيعية، ومعظمهم كان لجأ اليها بعد حرب تموز بعدما تسبّبت هذه الحرب بقتلهم وتهجيرهم.
أزعجتهم جملة قالها نصرالله، «أعرف تبعات كلامي» ومن بين هؤلاء اللبناني علي عامر يسكن ضمن النسيج «البيروتي» في منطقة راس بيروت كان أصيب في تلك الحرب أثناء وجوده في بلدته صور، يومها تكفّلت دولة الإمارات العربية بمعالجته على نفقتها مع آخرين. ويقول علي «لا يمكن ان نُبادل وفاء هذه الدول باتهامنا لها بالخيانة والتآمر على القضيّة العربية. بعدما تلقيّت العلاج قاموا بتوظيفي رغم إعاقتي الدائمة وبتوظيف شقيقي منصور، بماذا سيُفيدنا «حزب الله» في حال أُدرجت عائلاتنا على لوائح الترحيل«؟
في العديد من الدول العربية توجد خشية لبنانية واسعة من عملية ترحيل يمكن ان تحصل بحق مغتربين لبنانيين. لا تُريد الحاجة أم بسام استباق خطوات كهذه قبل حصولها، لكنها ترى في كلام نصرالله تجنياً ليس على السعودية فقط بل على جميع اللبنانيين خصوصاً الذين يعيشون من خيراتها وهم برأيها من كل المذاهب والطوائف. تقول الحاجة «نحن في السعوديّة منذ اكثر من ثلاثين عاماً، أربعة من اولادي ولدوا فيها وابنتي متزوّجة من رجل سعودي ولديها ثلاثة اولاد يحملون جنسيّة والدهم. لا أريد تذكير السيد نصرالله ولا غيره بالمساعدات التي قدمتها لنا السعودية كلبنانيين من مؤن غذائية منذ عهد الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله يوم كانت اسرائيل تحاصر كل لبنان مرورا بالمساعدات والمكرمات المدرسية والإجتماعية ومساهمتها في اعمار البلد وصولا الى دعم الجيش اللبناني اليوم، فمن يريد فتح حرب وجبهات عليه اولاً أن يكفي شعبه لا ان يزيده بؤسا وحرمانا.»
لم يقتصر كلام المعترضين على كلام نصرالله على من هم خارج المناطق التي يتواجد فيها «حزب الله»، بل وصل الاعتراض الى عدد ولو محدود نوعا ما داخل بيئته الحاضنة. اشتكى بعضهم ضمناً وأخرجوا ما في قلوبهم للأقارب. تحدثوا عن مخاوف أبنائهم في الغربة وأبدوا لهم خشيتهم من عمليّات ترحيل يمكن أن تطالهم. سألت إحداهن هل يمكن أن يتحمّل «السيد» مسؤولية صرف اللبنانيين من أعمالهم وتشريد العائلات من السعودية أو غيرها؟ وهل سيعوّض عليهم بمنازل وأعمال وتأمين أقساط المدارس والجامعات لأبناء المبعدين؟.
خشيّة من إرتدادات سلبية يمكن أن تنعكس عليهم وعلى أوضاعهم في الخليج العربي، عبّر عنها لبنانيون كثر بعد خطاب نصرالله الأخير، ولا يزالون.