يوارى ثرى مصر اليوم رئيسٌ لم يقد بلده فقط، بل قاد المنطقة العربيّة ودولها في لحظة تاريخية ومعقّدة، لا ننسى كلبنانيين للراحل الكبير الرئيس حسني مبارك لحظة ردّه الموجع على رئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بزيارة لبنان في 19 شباط العام 2000 لمدة ساعات التقى فيها مسؤوليه وفرد جناح حماية لمصر للبنان في وجه إسرائيل والعالم.
ويوارى ثرى مصر اليوم رجلٌ سبق العالم كله وبأشواط في شنّ حربٍ عاتية على الإرهاب الذي اجتاح مصر خصوصاً في جنوبها في الصعيد حيث الآثار وحضارة التاريخ والسياحة وثلث آثار العالم في مدينة الأقصر وحدها، هناك حيث كان الإرهاب يهاجم السياح ليضرب أمن مصر واقتصادها وأمنها وأمانها، كان هذا الإرهاب «متعوباً عليه» في أفغانستان، وكان الاتحاد السوڤياتي تفكّك وعاد «الإخوان المجرمون» من تلك الديار ليقتلوا ويدمّروا ويثيروا الرّعب في قلب الآمنين، سعياً إلى القبض على الحكم في مصر، قبل داعش وقبل أختها القاعدة حذّر مبارك العالم من خطر الإرهاب الآتي من أفغانستان، وانصرف لحمايه مصر من عدوّ أخطر أضعاف المرّات من إسرائيل نفسها لأنّه يشقّ صفوف المجتمع ويفسّخ بنيانه فيكفّر الإبن أبيه ويقتل الأخ أخيه، رحم الله حسني مبارك كان رجلاً فذّاً في رؤيته لعمق الخطر وضراوته، سواء في مصر أو في المنطقة.
ويوارى اليوم في ثرى مصر رئيس استلم الحكم فيها وهي دولة تعاني من بنيتها التحتيّة وشبكات مواصلاتها وخدمات الاتصالات والماء والكهرباء وكلّ ما يواكب التطوّر والنهضة، فبنى أكبر شبكة مواصلات وشبكات المترو بنى وطوّر وبذل كلّ جهد، صارت العملات الصعبة أمراً عادياً في أيدي الفتية على هامش مناطق السياحة وفي البازارات تنفسّ الشعب المصري الصّعداء في زمن مبارك «شمّ نَفَسو» بعدما تحوّلت مصر قبلة السياحة والاستثمار في العالم، ليس هناك حكم بلا أخطاء، ولكن لا تزال تحزّ في قلبي كمواطنة عربيّة لحظة اقتلاع اسم الرئيس حسني مبارك ولوحة تعلن تاريخ تأسيس شبكة مترو الأنفاق في عهده، لا أحد يستطيع أن يقتلع مبارك من تاريخ مصر، ولا من تاريخ المنطقة، هذا الرّجل البطل الأول في حرب العاشر من رمضان 6 أكتوبر عام 1973 يوم ذاق العرب أول انتصاراتهم الكبرى على العدو الإسرائيلي.
رحم الله الرئيس حسني مبارك حمل فوق أعباء الحكم في مصر أعباء جنون صدّام حسين واجتياحه للكويت وعبء دفع الفلسطينيين في الخليج العربي والكويت تحديداً ثمن قرار ياسر عرفات بالوقوف إلى جانب صدّام وجنونه، تحمّل مجنوناً كمعمّر القذافي حتى عندما بلغ به الجنون حدّ إعلان نفسه ملك ملوك إفريقيا، تطوي مصر اليوم ومعها العالم العربي صفحة عزيزة بكلّ ما شابها أو جرحها، ثلاثون عاماً من البناء والعطاء لا بُدّ أن التاريخ سيذكرها بإنصاف.
ويوارى اليوم في ثرى مصر رجلٌ سعى مخلصاً وحاملاً همّ حلّ القضية الفلسطينيّة بإصرار، ولكن ماذا بإمكان كلّ العرب مجتمعين أن يفعلوا إذا كان الفلسطينيون منقسمين على أنفسهم.. وهذا ليس انقساماً متأخراً جاء في زمن حماس، قبل ظهور حماس شهدت أزقة بيروت وزواريبها حرب المنظمات الفلسطينية منذ تشتت ما بين موالٍ لبعث الأسد وبعث صدّام!!
رحم الله الرئيس حسني مبارك في ذمّة الله، ومشهد جنازته اليوم لا بدّ سيقرأ فيه كثيرون ردّ اعتبار الرّجل بعد ظُلْمٍ شديد تعرّض له ورفض أن يغادر وطنه وأصر أن يموت فيه وأن يدفن في ثراه، مقدّماً نموذجاً مشرّفاً لرئيس لا يفر من مواجهة ولا جندي يفرّ من معركة، رحم الله الرئيس حسني مبارك رحمة واسعة وغفر له، وعند الله تجتمع الخصوم.