أثّرت الأزمة الاقتصادية، المستمرة منذ ثلاث سنوات، على رواتب الموظفين. فاليوم، لم تعد تلك الرواتب تسندهم في عيشهم، بعدما باتت الكفّة خاسرة بين ما يتقاضونه بليرةٍ منهارة وما يدفعونه لتأمين الحدّ الأدنى من احتياجاتهم التي باتت في معظمها مدولرة. وكلما ازدادت الأزمة حدّة، هوت الرواتب أكثر، حتى باتت اليوم أشبه بـ«أوراق اللعب». بلا قيمة.
أمام هذا الواقع، عمدت بعض المؤسسات، وجلّها خاصة، إلى تعديل رواتب موظفيها بالحد الأدنى لتأمين استمرارية أعمالها، فيما صرفت مؤسسات أخرى موظفيها، معلنة انتهاء مسيرتها. أما في مؤسسات وإدارات القطاع العام، فقد كانت المهمة أصعب، إذ ثمة استحالة في تعديل الرواتب. وقد دفع هذا الأمر بالموظفين إلى إعلان الإضرابات والتعطيل عن العمل بسبب عدم قدرتهم على دفع تكاليف الحضور، وهو ما انعكس تعطيلاً في عمل المؤسسات. وإزاء هذا الأمر، خرجت بعض الحلول، والتي كانت أقرب إلى الترقيع، وقضت بإقرار مساعدات اجتماعية وبدلات غلاء معيشة. وقد صدر على إثر ذلك مرسوم عن الحكومة السابقة برئاسة حسان دياب وقضت بإقرار مساعدة للموظفين والعاملين بقيمة نصف راتب لشهرين (تشرين الثاني وكانون الأول من عام 2021)، إضافة إلى مرسوم آخر صدر عن حكومة تصريف الأعمال الحالية وتقضي بإقرار مساعدة بقيمة نصف راتب لمدة عامٍ كامل، إضافة إلى مرسوم تعديل بدل الانتقال. وقد شملت هذه المساعدات موظفي المؤسسات والإدارات الرسمية.
لكن، برغم تلك القرارات، بقيت معظم تلك «العلاوات» حبراً على ورق، ولا سيما في المؤسسات الحكومية وفي مقدمها المستشفيات، حيث لم ينل الموظفون والعاملون فيها ما أقرته تلك المراسيم. أما الأسباب الأساسية أنّ صرف هذه المساعدات ليس ممكناً، بحسب بعض مديري بعض المستشفيات، لسبب أساسي يتعلق بآلية صرف هذه المساعدات والتي «تقضي بأن تحوّل المستشفيات إلى وزارة الصحة جداول تفنّد فيها بالأرقام تقديراتها لهذه النفقات، على أن تحوّل وزارة الصحة إلى وزارة المالية كتاباً تطلب فيه السلفة لتحويلها من ثم إلى المستشفيات»، بحسب مدير مستشفى البوار الحكومي، أندريه قزيلي.
وفي هذا السياق، أحالت معظم المستشفيات جداولها إل وزارة الصحة، بحسب مستشار وزير الصحة لشؤون المستشفيات الحكومية، سهيل ريا، بحيث لم يبق سوى مستشفيين فقط، تحيل بعدها الوزارة الكتاب إلى المالية «انتظار الردّ» كي يبنى على الشيء مقتضاه. غير أن هذا الكتاب ليس الأول، إذ تُشير المصادر إلى أنه «سبق لوزارة الصحة أن أحالت كتاباً سابقاً إلا أنه ردّ بالشكل من المالية».
مع ذلك، ليس متوقعاً من الردّ أن يكون إيجابياً، إذ تشير مصادر وزارة المالية أن «تأمين السلفة تتوقف على توفر الاعتمادات، ولذلك لا نستطيع صرف سلفة إن كانت المؤسسة العامة لا تملك اعتماداً، وبالتالي وزير المالية لا يملك صلاحية أن يصرف لها اعتمادات إضافية لأن ذلك يحتاج إلى قوانين». ويضاف إلى ذلك «التعميم الصادر عن رئيس الوزراء والذي طلب من المؤسسات العامة التي تملك في موازناتها أموالاً تسمح لها بإعطاء المساعدة لموظفيها أن تبادر إلى فعل ذلك».
لا تستطيع وزارة المالية صرف السلف للمستشفيات الحكومية لعدم توفر الاعتمادات
وإزاء هذا الوضع، كانت التداعيات متفاوتة، فقد لجأت بعض المستشفيات إلى «الانتقاء» من بين المراسيم ما هو أخف كلفة، فاكتفى البعض بزيادة بدل الانتقال، فيما أعطى آخرون سلفة النصف راتب لمدة محددة من دون الالتزام بما أقرّه المرسوم الذي حددها بسنة. أما على الطرف الآخر، فقد استطاعت مستشفيات أخرى تطبيق تلك المراسيم، من خلال اعتماد بعضها على «ما يدخل إلى صندوق المستشفى من بعض الجهات المانحة التي تدفع لتغطية طبابة اللاجئين السوريين»، يقول مدير مستشفى الهرمل الحكومي، الدكتور سيمون ناصر الدين. لولا تلك «الدولارات الفريش التي تدفعها المؤسسات الدولية ما كنا فينا نوقف على إجرينا ولا نعطي موظفينا»، يتابع ناصر الدين. وهو سبب مبرّر، إذا ما أخذنا في الاعتبار المستحقات المتراكمة للمستشفيات في ذمة الدولة، والتي لم تعد اليوم تساوي شيئاً لسدّ «إن كان للرواتب أو للمستلزمات الطبية أو المحروقات التي تسندنا فيها المساعدة القطرية».
أما في الشق الآخر، فتعمد بعض المستشفيات إلى التخفّف من تعرفة الخدمات الطبية الرسمية «وفرض فروقات معقولة على المرضى، وإن بطريقة غير رسمية لنستطيع دفع هذه النفقات»، تقول المصادر في مستشفى بيروت الحكومي. وما يدفع إلى ذلك، وفق هؤلاء، «أن كل التكاليف التي نتكبدها في المستشفى باتت بالدولار من مستلزمات طبية إلى المحروقات إلى الصيانة». ولهذا، بات الالتزام بالتعرفة الرسمية «ضرباً من الخيال»، تختم المصادر.