التطمينات الهلامية لا تواكب الأحداث وأصحابها يطمرون الرؤوس في الرمال
على وقع الانهيار الاقتصادي والمالي الذي نتخبّط به، وبعد عام على انتشال المستشفيات والقطاع الاستشفائي من براثن «كورونا» تزامناً مع انهيار الليرة اللبنانية إزاء الدولار، وهجرة الجهاز التمريضي والطبي، وافتقاد السوق اللبنانية الى أدوية الأمراض السرطانية والمزمنة…، ومع زيادة منسوب إمكانية انخراط الداخل اللبناني بالحرب القائمة بين إسرائيل وحماس في غزّة، يتمّ البحث في مدى قدرة المستشفيات والطاقم الطبّي ووزارة الصحة على توفير الأدوية والطبابة في حالة الحرب وفرض حصار على المرافق اللبنانية؟
في الماضي وتحديداً في حرب تموز 2006 على لبنان، كان اقتصاد البلد وقتها جيّداً و»يستحمل» الحروب نسبياً. فوزارة الصحة خرجت وقتها ببيان لتناشد فيه كل المستشفيات بكل ثقة بتطبيب جرحى الحرب على حسابها.
أما اليوم، فلبنان لا يملك الإمكانات للدخول في معترك الحروب وتحمّل أعبائها. وهذه القاعدة تنطبق على القطاع الاستشفائي اللبناني والدوائي والطبّي بامتياز، ما دفع بوزارة الصحّة ولجنة الصحّة النيابية الى الاستنفار لتكونا على بيّنة من الإمكانيات الموجودة، ومدى قدرتهما على توفير الصمود استشفائياً في الوضع الراهن من جهة، ومن جهة ثانية مدى القدرة على تحمّل أعباء حرب ممكنة تقرع الأبواب واستقبال حالات طوارئ.
لجنة الصحّة النيابية
وللغاية إجتمعت لجنة الصحّة النيابية يوم الإثنين المنصرم مع وزير الصحّة في حضور كل النقابات، والمستشفيات، والصيادلة والأطباء والممرّضات ومستوردي الأدوية والطبابة العسكرية والدفاع المدني… وتمّ تناول حالة الطوارئ ومدى الجهوزية المتوفرة لدينا لاستقبال حالات طارئة ناجمة عن الحرب، وفي الوقت نفسه مدى الجهوزية المتوفرة لتقديم خدمة الإستشفاء الروتينية العادية. وفي هذه الغضون، أوضح رئيس لجنة الصحّة النيابية النائب بلال عبدالله لـ»نداء الوطن» أن اللجنة اتّخذت مجموعة من الإجراءات:
-أولاً طلب تأمين فتح اعتمادات من الحكومة، بسبب عدم قدرة وزارة الصحّة على تكبّد أكلاف التغطية الاستشفائية في حال الطوارئ لمصابي الحرب.
ثانياً، إعداد خطة طوارئ من كل نقابة مثل نقابات المستشفيات وموردي المستلزمات الطبية والأدوية… لمواجهة حالة الحرب، على أن يصار الأسبوع المقبل الى متابعة تلك المواضيع».
لا قدرة على الصمود
وحول القدرة على الصمود إزاء الحروب غير المضمونة والتي تفتح أبوابها على كل الاحتمالات، حار ودار النائب عبدالله ثمّ أقرّ بالواقع المزري وبأنه «ليست لدينا مقوّمات الصمود» في حال فُرضت علينا الحرب». موضحاً أن «القدرة على الصمود في حالات الطوارئ تختلف اليوم عن السابق. فكان كل المصابين والجرحى تتم تغطيتهم استشفائياً على حساب وزارة الصحة، أما اليوم فلم يعد بإمكان وزير الصحة أن يأخذ على عاتق الوزارة توفير الطبابة لجرحى الحرب، لذلك يسعى إلى تأمين الإعتمادات اللازمة لتغطية حال الطوارئ الصحيّة».
لكن من أين سنأتي بتلك الاعتمادات؟ أكّد عبدالله أن «الاعتمادات يجب أن تفتح لأننا في حالة استثنائية». أما من أين ستأتي تلك الاعتمادات الاستثنائية فالكلّ يتهرّب من الجواب ويقول «لا أعرف»! كما بدأت تعلو أصوات في القطاع الصحي تنادي بعدم ترك الأمور حتى آخر لحظة، وعدم طمر الرأس في الرمال كما تفعل النعامة عند قدوم الخطر، والإقلاع عن التطمينات الهلامية التي تصدر من أطراف أصبحوا أسرى شعارات مثل عدم إقراض الدولة والحفاظ على سعر الصرف. فمهما طمأن هؤلاء يبقى أن الحاجة الى اعتمادات كبيرة لظروف الحرب أمر لا مهرب منه. فعلى الحكومة ومجلس النواب ومصرف لبنان التحرّك فوراً، وإلّا فهم متّهمون بالتقصير ويتحمّلون مسؤولية وقوع أي كارثة إنسانية.
وهنا يذكر مصدر أنه في الفترة الأخيرة وتحديداً في شهر آب المنصرم، ازدادت إيرادات الدولة بعد زيادة الدولار الجمركي وزيادة عائدات الدولة بالدولار الأميركي والتي باتت تعادل نحو 315 مليون دولار (بين لبناني ودولار)، متخطّية بذلك نفقات الدولة التي لا تصل الى 300 مليون دولار كما علمت «نداء الوطن» من مصادر مطلعة، فإن الدولة ستستخدم الفائض الذي لديها وسيعمد مصرف لبنان الى تزويدها بذلك الفائض المتواجد في حساب الدولة في المصرف المركزي، لاستخدامه في خطة الطوارئ، أكان بالليرة أو تحويله الى دولار، ما قد يطرح علامة استفهام حول قدرة الحفاظ على سعر الصرف. فموازنة وزارة الصحّة اللبنانية لا تزيد عن 35 مليون دولار سنوياً، وبالتالي فهذا المبلغ لا يكفي حتماً سواء أكان لتوفير التغطية الاستشفائية لجرحى الحرب في حال اندلاع الحرب، أم حتى لتعزيز مخزون الوزارة من الدواء. مع الإشارة إلى أن ما تبقّى من حقوق السحب الخاصة احتجزت لوزارة الصحة لزوم أدوية الأمراض المستعصية.
جهوزية الطاقم الطبّي
أما عن جهوزية الطاقم الطبي والتمريضي الاستشفائي الذي تضاءل بسبب الأزمة المالية المستشرية في البلاد مع انهيار سعر صرف الليرة إزاء الدولار، فقال عبدالله إن الطاقم متوفّر ولديه الثقة بالقطاع الاستشفائي وبالأطباء والممرّضين وعزمهم على التعاون في الوقت الحرج. مضيفاً أنه لدينا الالتزام الأخلاقي والأدبي والمهني في القطاع الصحّي والطبّي بالتحرك في الوقت المناسب، وهنا واجبات الحكومة أن تقف الى جانب القطاع وذلك يتوفّر حينما يتمّ تأمين اعتماد يليق بحجم المهمّة».
وفي حال تمّ إقفال مرافق لبنان العامة، أوضح أن «لجنة الصحّة درست خطّة طوارئ لتلك الغاية، ووزير الصحة يتابع الموضوع وستتوفّر الإمكانات ولو باللحم الحيّ لاستدامة الرعاية الصحية الاستشفائية ولنكون على جهوزية لحالات الطوارئ». وفي ما يتعلق بالدواء فإن نقابة مستوردي الأدوية أعدّت خطة طوارئ لعدم فقدان الدواء في حال حصول حصار.
إحصاء المخزون
وحول تلك الخطة أوضح رئيس نقابة مستوردي الأدوية وأصحاب المستودعات في لبنان جوزيف غريّب لـ»نداء الوطن» الى أننا «أحصينا المخزون الذي لدينا في الوقت الراهن وقسمّناه الى أقسام أدوية الـOTC المباعة في الصيدليات، وأدوية الأمراض المزمنة والأدوية التي تستعمل في المستشفيات Acute care وأدوية الأمراض السرطانية.
«للفئات الثلاث الأولى يكفي المخزون المتوفّر السوق اللبنانية بين 3 و 4 أشهر، وغالبية تلك الأدوية تباع في الصيدليات، وفي حال عدم توفّرها يمكن استبدالها بأدوية الجينيريك المتوفّرة. أما الأدوية التي يتمّ استخدامها في المستشفيات، فمخزونها يكفي لفترة تتراوح بين شهرين و4 أشهر. وبالنسبة الى الأمراض السرطانية فمخزونها أقلّ بقليل، ولكن الشركات المستوردة تتواصل مع المصنّعين في الخارج لتأمين الشحنات لزيادة المخزون على أن تكون الشحنات بالجوّ لتصل البضائع في وقت قصير الى لبنان».
طوارئ من قبرص والإمارات
الى ذلك تعمل نقابة مستوردي الأدوية استناداً الى غريّب «مع بعض الشركات المتواجدة خارج لبنان في حال طرأ حصار على المرافق البحرية والجوية ولم نعد نتمكّن من استخدام المرافق في عملية استيراد الأدوية». وتقوم الخطة كما أوضح «على تجميع السلع الدوائية التي نستوردها في الإمارات أو قبرص والعائدة الى كل الشركات وذلك بالتنسيق طبعاً مع وزارة الصحة والمنظّمات الأممية، فنطلب أذوناً خاصة لاستيراد الأدوية، إذا طال الوضع وذهبت الأمور نحو الأسوأ».
وبذلك «نسعى لإعداد خطة عبارة عن جسر جوّي لتزويد لبنان بالأدوية بطريقة منظّمة ضمن مجموعة واحدة ولا تقدم كل شركة على شحن منتجاتها على حدة، فيتم استيراد الأدوية مثلاً من قبرص بحراً ومن الإمارات يتمّ إحضارها جوّاً. وطمأن إلى أنه «على المدى المنظور فالمخزون الذي لدينا يلبّي حاجاتنا. ولكن إذا ساء الوضع الميداني ومورس حصار على لبنان، فسنلجأ الى الخطط التي نعدّها.
حصار شامل، يوضح أنه بطبيعة الحال ستكون الأمور أصعب، أما إذا كان الحصار محدوداً على المرفأ أو على المطار فللسيناريوات المحتملة حلول وكلما ساء الوضع كان تطبيق الحلول وإدخال البضاعة عبر الحدود أصعب، لافتاً الى أنه لغاية الساعة يتمّ تخليص الشحنات وتأمين الأدوية الى المستشفيات.
تنسيق بين الجهات
وطلبت نقابة مستوردي الأدوية من لجنة الصحّة النيابية، منع المستشفيات من الهلع واللجوء الى تخزين الأدوية على حساب مستشفيات أخرى. وقالت:»حالياً نعمل مع وزارة الصحة والمستشفيات على توزيع الأدوية بالتوازي بين المستشفيات».
الى ذلك أعدّت وزارة الصحة خطة طوارئ لإحصاء المخزون المتوفّر لديها، وذلك لتكون على بيّنة من الأدوية المتوفّرة أيضاً والتي يمكن تأمينها للمرضى. وتشمل خطة الطوارئ استناداً الى غريّب، عدا توفير مخزون الأدوية، توزيع المصابين بالتنسيق مع الدفاع المدني والطبابة العسكرية في الجيش والصليب الأحمر اللبناني، وعلى أساسها دعا بلال عبدالله الى اجتماع للتأكّد أن التنسيق بين الأفرقاء متوفّر.
وفي ما يتعلق بتأمين فائض أدوية أو أخرى قد نحتاج اليها في حالة الحرب، قال غريّب إن الحاجة لتوفير الأدوية للمرضى الذين يتلقّون علاجاً أكبر، لأنه إذا لم يتوفّر لهؤلاء الدواء سينتج عن ذلك عدد وفيات أكبر من تلك الناتجة عن الحرب نفسها. أما بالنسبة الى مصابي الحرب فهذا الجانب تحت السيطرة لأن كل الأصناف التي تحتاج الى تلك العلاجات متوفّرة على المدى المتوسط في مخزون المستشفيات والشركات المستوردة.
توفّر المستلزمات الطبيّة
وبالنسبة الى توفّر المستلزمات الطبيّة قالت رئيسة نقابة مستوردي المستلزمات الطبية سلمى عاصي لـ»نداء الوطن» إننا طلبنا من وزارة الصحة إعداد قائمة بالمعدّات التي قد يتزايد الطلب عليها إذا ما وقعت الحرب، وذلك استناداً الى خبرة الصليب الأحمر والدفاع المدني. أما بالنسبة الى الوضع الراهن فلدينا مخزون يلبّي حاجة السوق علماً أننا لا نواجه أي مشكلة في الاستيراد، ولكن هناك أنواع قد يزيد الطلب عليها، لذلك يجب العمل لتكبير مخزون تلك المستلزمات لدى الشركات. وننسّق مع نقابة مستوردي الأدوية لمعرفة كيفية الاستيراد من خلال قبرص في حال تمّ إقفال المطار.