Site icon IMLebanon

الكارثة الصحية تدق الأبواب

 

الأوضاع المالية هزّت القطاع الاستشفائي من أساساته في فترة لا تزيد عن خمسة أشهر، أي منذ ايلول الماضي، حيث شهدت الاوضاع في المستشفيات تدهوراً غير مسبوق.

كان اللبناني، من دون ان يدري، يتنعّم بمستوى مميّز على نطاق الخدمات الصحية والاستشفائية. صحيح اننا كنّا نسمع الكثير من الشكاوى على الاطباء والمستشفيات، ولكنها في المحصّلة النهائية كانت تطغى عليها المبالغة في تضخيم الامور حتى أصبح شعار «الناس تموت على أبواب المستشفيات» لازمة في اي حديث لإعلامي او سياسي يريد الكلام عن موضوع الصحة.

 

مقارنة مع أرقى دول العالم، كان الدخول الى المستشفى في لبنان من اسهل الامور، والحصول على العلاج او الخضوع لعملية جراحية معقدة بسرعة قياسية أمراً مفروغاً منه. على سبيل المثال، كان الاستحصال على موافقة لعملية زرع ورك معدني لا يتعدى الاسبوع، بينما في الدول الغربية كانت تتطلب هذه العملية الانتظار لمدة لا تقل عن 6 اشهر، وبكلفة في لبنان اقل بكثير من هذه الدول، علماً اننا نستعمل نفس المعدات. لقد تغيّر المشهد بشكل مفاجئ يصعب علينا نحن العاملين في القطاع استيعابه. فما كنّا نحصل عليه بسهولة فائقة، اصبح الآن يتطلب جهداً مضنياً، ولا نحصل عليه البتة. لقد تراجع استيراد المستلزمات الطبية بنسبة 90 %، أمّا استيراد المعدات وقطع الغيار فقد اصبح شبه مستحيل.

 

الاجراءات التي فرضتها المصارف التجارية على المستوردين لناحية تأمين الاموال اللازمة (Fresh Money) للاستيراد تعجز معظم الشركات عن تأمينها، كما انّ المصانع في الخارج وضعت شروطاً صعبة على المستوردين قبل شحن البضائع، بسبب الخفض في التصنيف الائتماني للبنان وللمصارف اللبنانية. هذه الاوضاع أدّت الى العديد من الصعوبات التي تعانيها المستشفيات حالياً، أهمها:

 

1 – النقص الحاد في بعض المواد من كافة الانواع وعلى جميع المستويات حتى من أبسط الامور، مثل الاقنعة، والمراويل الواقية من انتقال العدوى والكفوف المعقمة، وصولاً الى القطع اللازمة لعمليات العظم والقلب والشرايين.

2 – إرتفاع هائل في أسعار السلع الموجودة حيث بدأ التجار يطلبون سداد قيمتها أحياناً كثيرة نقداً وبالدولار الاميركي او ما يوازيه بالليرة اللبنانية وفق السعر عند الصرافين، اي ارتفع سعرها عملياً بنسبة 60 %.

3 – تقليص مهل تسديد ثمن البضاعة من عدة أشهر كما كان معمولاً به سابقاً الى ايام معدودة، وذلك بسبب حاجة التاجر الى المال لتلبية المصرف الذي يطالبه بـ Fresh Money.

 

مقابل هذه الضغوطات من جانب التجار، تتعرض المستشفيات الى ضغوطات من نوع آخر من جانب الجهات الضامنة الرسمية، اي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ووزارة الصحة، والطبابة العسكرية وقوى الامن الداخلي وتعاونية الموظفين، وأهمها:

 

1 – بالرغم من الارتفاع الهائل في أسعار السلع على جميع أنواعها من مستلزمات طبية الى مواد الاكل والتنظيف والتعقيم والصيانة، فإنّ تعرفات الخدمات الاستشفائية باقية على حالها وهي اصبحت دون مستوى الكلفة بشكل فاضح.

2 – انّ العديد من المستشفيات أصبحت عاجزة عن تقديم العلاجات والقيام بالعمليات الجراحية بسبب عدم مقدرتها على الاستحواز على الادوية والمستلزمات الطبية، وفق الشروط الجديدة التي فرضها المستوردون والتي ذكرناها آنفاً.

3 – التأخير المزمن في تسديد مستحقات المستشفيات وعدم قدرة الدولة على تسديدها بوتيرة أسرع نظراً لأوضاعها المالية.

 

إزاء هذا الواقع الصعب، فإنّ المستشفيات غدت عالقة بين المطرقة والسندان. فمن جهة، هي مُجبرة على استقبال المرضى اولاً، وعدم استيفاء اية فروقات في الاسعار ثانياً، كونها في الحالتين تكون قد خالفت العقد الموقّع بينها وبين الجهات الضامنة.

من الواضح انّ هذا الامر لا يمكن ان يستمر، فالخلل كبير ولا يمكن للمستشفيات تحمّله، وعلى الجهات الضامنة القيام بما يلي:

1 – الاتفاق مع المستوردين على لائحة أسعار للمستلزمات الطبية بالليرة اللبنانية، وإلزام الجميع، تجاراً ومستشفيات، بها.

2 – الاتفاق مع المستشفيات على لائحة تعرفات جديدة واقعية، تأخذ في الاعتبار المستجدات لناحية اسعار السلع.

3 – جدولة مستحقات المستشفيات بشكل يؤمّن لها مدفوعاتها الشهرية، كي تتمكّن من الاستمرار في عملها.

 

أمام هذا الواقع، إننا نحذّر من انّ عدم معالجة هذه الامور سوف يؤدّي الى استحالة استمرار العمل في المستشفيات الخاصة، وانّ الضغوطات التي قد تمارس عليها للقبول بالواقع الحاضر سوف تؤدّي الى إقفالها القسري. انّ الامر يتطلّب معالجة سريعة، عقلانية وعادلة. واننا نتوجّه الى وزير الصحة لتولّي هذه المهمة، فالحرص على صحة المواطن وحقه في الطبابة يجب أن يوازيه في المقابل الحرص على ديمومة عمل المستشفيات. وندعو الى عقد اجتماعات مكثفة بين المعنيين بالأمر، والعمل ليلاً ونهاراً حتى لا نصل الى تعثّر المستشفيات، لا سمح الله، وما قد ينتج عنه من آثار سلبية على الأمن الصحي والاجتماعي.