Site icon IMLebanon

المستشفيات تمارس «التشبيح»

 

 

لأن «الربح أولاً»، ولأنها «لعبة سوق»، لا تنفكّ المستشفيات الخاصة عن تهديد حياة المرضى. مرة تربط فتح أبوابها أمامهم بدفع الدولة لمستحقاتها، وتارة ترهن حياتهم بدفع فاتورة «ملغومة»، ومراراً تصرّ على تدفيعهم مبالغ إضافية لعدم وجود «أسرّة مضمونة». «العرض متواصل» لدى هؤلاء، وآخر فصوله أمس قراران، أحدهما فرضه مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت وقضى بوضع تعرفة جديدة للدولار في فواتير الاستشفاء على أساس 3900 ليرة، وثانيهما قرار عدد من المستشفيات تدفيع المرضى فروقات أسعار المستلزمات الطبية على أساس سعر الصرف في السوق السوداء. هكذا، ولأن «المصلحة» فوق كل اعتبار، قررت المستشفيات «الدعس» على الناس.

 

أحد المستخدمين في المصلحة الوطنية لنهر الليطاني أُدخل أحد مستشفيات الجنوب أخيراً من أجل إجراء طبيّ يقضي بتركيب «بروتيز». في العادة، لا يستوجب هذا الإجراء أكثر من تحضير أوراق العملية لدى الجهة الضامنة. ولكن بما أن الظرف «استثنائي»، ونظراً لـ«ظروف» سعر صرف الدولار، أبلغ المستشفى المريض أن ما سيتقاضاه لقاء هذا المستلزم الطبي هو كالتالي: «85% على أساس سعر صرف الدولار بـ1516 ليرة، و15% تحتسب قيمتها على أساس سعر الصرف في السوق السوداء بتاريخ الدفع». وبرّر الطلب بما «تفرضه شركات المستلزمات الطبية على المستشفيات من تقاضي بدل المستلزمات على أساس تعميم مصرف لبنان رقم 15/85 (…)». عملياً، يعني ذلك أن المريض سيتحمل فارق الـ15% على أساس سعر يتخطى اليوم ثمانية آلاف ليرة. وبالتالي، سترتفع قيمة الفاتورة بين 30% و40%. وعلى ضآلة نسبة الـ15%، إلا أنها قد تتخطى بقيمتها ما يدفعه المريض لقاء الـ85%.

هذا الإجراء بُدئ بتطبيقه في عدد من المستشفيات لأن الحال على ما هو عليه «مش ماشي»، على ما يقول مصدر في المستشفى المعني. إذ أن «وضع الدولار يدفعنا إلى هذا الخيار الذي تفرضه علينا الشركات التي تتحكم بهذه المستلزمات، وهي بالنهاية لعبة سوق»! مع ذلك، ينفي إمكان أن تنسحب «لعبة السوق» على كل المستلزمات، إذ أن لكل مستلزم خصوصيته وتسعيرته، فـ«هناك مستلزمات لا تزيد كلفتها ولذلك لا نحمّل شيئاً للمريض، وهناك مستلزمات تتغير كلفتها بحسب قرار الشركات». هذا «الفرض» يقع على جيب المريض لسببين أساسيين. أولهما «بديهي»، وهو أن المستشفيات لن تحمل هذا العبء، وتساندها في ذلك نقابة مستوردي المستلزمات والمعدات الطبية، وثانيهما يعود إلى معضلة لائحة المستلزمات والأدوات الطبية لدى الجهات الضامنة التي لم يتعدّل معظم أسعارها منذ سنواتٍ طويلة. من هنا، ينطلق أصحاب المستشفيات لتبرير ما يدأبون على فعله كل يوم. وإذ يعتبرون أنهم «يقومون بالواجب» في محاولتهم تأمين مستلزم طبي مناسب وبأسعار مقبولة، إلا «أننا غالباً ما نفشل في إيجاد سعر يلائم السقف الذي تعترف به الجهات الضامنة» بسبب عدم تماشي اللوائح الرسمية لأسعار المستلزمات مع التحديث الذي يلحق بمعظم تلك المستلزمات والمعدات، إضافة إلى ظهور أخرى لم تكن موجودة ولا تلحظها اللائحة. وهذه معضلة أكبر. وإذ يبالغ هؤلاء في اعتبار «ما يمكن أن يشتريه المريض ضمن السقف دون المستوى المطلوب»، يعتمدون على هذه اللازمة لـ«تدفيع» المواطنين في أحيانٍ كثيرة مبالغ إضافية لمستلزمات «فوق السقف» قد لا تختلف عمّا هو «تحت السقف».

الجهات الضامنة، التي يُفترض أن تمارس رقابتها لقاء الملايين من الليرات التي تدفعها للمستشفيات، تقف اليوم موقف المتفرج على «التشبيح» الذي تمارسه هذه الأخيرة، على ما يقول رئيس اللجنة الوطنية الصحية (الصحة حق وكرامة) الدكتور اسماعيل سكرية. فالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ووزارة الصحة والطبابة العسكرية تكتفي بالتفرج من دون أن تبادر الى ممارسة صلاحياتها. أما الأنكى، فهو اعترافها بلا قانونية هذا الإجراء، ومع ذلك، فهي تغضّ الطرف عنه لأن «ما باليد حيلة»، بحسب ما تقوله مصادر الضمان.

مواجهة مفتوحة تفرضها المستشفيات اليوم، فيما الدولة والمؤسسات الضامنة من خلفها تتفرج على القطاع الصحي ينهار في معركة غير متكافئة، تفرض فيها المستشفيات أمراً واقعاً، فإمّا القبول به أو ترك الناس – فعلياً – يموتون أمام أبوابها. و«لا شيء يمكن فعله في المقابل»، يقول سكرية، انطلاقاً من أن «المؤسسات الفاسدة ليست قادرة على مواجهة المستشفيات».

 

لا مستلزمات طبيّة بدءاً من اليوم

«وصلنا للآخر». بهذه العبارة، أعلنت رئيسة نقابة مستوردي المستلزمات والمعدات الطبية، سلمى عاصي، التوقف عن تسليم البضائع إلى المستشفيات إلا للحالات الحرجة، بدءاً من اليوم. «لا مكان للتراجع». كررتها عاصي أكثر من مرة، فيما فتحت الباب على احتمال واحد فقط يجعل الشركات تعدل عن هذا الأمر، وهو «فكّ أسر» التحويلات المصرفيّة العالقة في مصرف لبنان، والتي قالت إن بعضها محتجز منذ نحو خمسة أشهر. يأخذ مستوردو المستلزمات على مصرف لبنان عدم التزامه بما وعد في ما يخصّ قيمة الدعم المفترض أن يبلغ 240 مليون دولار سنوياً، والتي «لم يتمّ تحويل سوى 80 مليون دولار منها حتى الآن، أي ما يوازي 30% من احتياجات القطاع»، على ما ورد في البيان الذي أصدرته النقابة ليل أمس. مع ذلك، ليست قيمة التحاويل هي كل أسباب الإعلان الليلي، وإن كانت الأساس. ثمّة أسباب أخرى دفعت النقابة، بحسب عاصي، إلى اتخاذ «أمرّ الخيارات»، منها أسباب تقنيّة وأخرى «مسؤولة عنها وزارة الصحة والمستشفيات». في الشقّ التقني، تعيد النقابة التذكير بأنّ «المخزون أصبح ضئيلاً وفي حدّه الأدنى، بسبب عدم توريد الشركات في الخارج لتأخّرنا في تسديد الالتزامات المادية». فيما تشكو النقابة من «عدم شفافية» وزارة الصحة في التعاطي مع النقابة، لناحية «عدم استجابتها للطلب الذي تقدّمنا به منذ الرابع من آب حول المستلزمات الطبية التي وردت كمساعدات من الدول الصديقة، بما يسمح لنا بتحديد الأصناف والكميات التي تحتاج إليها المستشفيات غير المتوفرة ضمن المساعدات لاستيرادها». أما المستشفيات الخاصة والحكومية فـ«تتلكأ في تسديد المستحقات المتوجّبة عليها ويعود قسم منها لسنوات».

لكلّ هذه الأسباب، كان بيان التوقف الذي من المفترض أن تعلن عنه النقابة العاشرة صباح اليوم في مقرّها في الأشرفية.