عندما دخلت إيطاليا مرحلة الخطر، شاعت عبارة «الأمر بات متروكاً للسماء» التي أطلقها أصحاب المستشفيات، بعد عجز المؤسسات الصحية عن استيعاب الأعداد المهولة للمصابين بفيروس كورونا. مذذاك، بات السيناريو الإيطالي هو سيناريو الرعب الذي أُطلق على البلدان التي خرجت فيها عدوى الفيروس عن السيطرة.
في لبنان، ومع انفلات المؤشرات ووصول أعداد الإصابات إلى حدّ يتخطّى قدرة المستشفيات على استيعابها، لم يعد من المجدي مقارنة النموذج اللبناني بأيّ نموذج آخر. لا إيطالي ولا إسباني ولا غيرهما. إذ تنفرد البلاد اليوم بنموذجها. و«الفرادة»، هنا، تكمن في 3 عوامل أساسية: ضعف النظام الصحي الاستشفائي الحكومي، ونأي معظم المستشفيات الخاصة بنفسها عن مواجهة الفيروس الذي بات في مرحلة حرجة من التفشي المجتمعي، واستهتار الناس.
في الشق الأول، لم تقم السلطات المعنية خلال الإقفالات الثلاثة التي سبقت الإقفال الحالي بـ«إسعاف» القطاع الاستشفائي الحكومي. وفي الشق الثاني، وقفت معظم المستشفيات الخاصة متفرجة على ما يجري، وجلّ ما كانت تفعله هو «التهرّب والتحايل (…) ومن المخجل هنا أن هناك مستشفيات خصّصت سريراً واحداً أو سريرين لمرضى كورونا، وأن مستشفيات كبرى ترفض استقبال أي مريض كورونا، إلا إذا دفع مبالغ مغرية، كما حصل مع مستشفى مخصص للأغنياء والميسورين»، على ما يؤكّد رئيس الهيئة الوطنية الصحية إسماعيل سكرية. لذلك، «لا تقارنونا بالنموذج الإيطالي»، يشدّد سكرية.
اليوم، المصابون بالآلاف. وفيما مؤشر الفحوص الإيجابية يتعدّى الـ 20%، أعلنت نقابة أصحاب المستشفيات الخاصة الوصول إلى القدرة الاستيعابية القصوى، إذ «لم تعد هناك أسرّة عناية فائقة لا للمصابين بكورونا ولا لغيرهم من المرضى العاديين»، على ما يقول النقيب سليمان هارون، مضيفاً إن الكثير من المستشفيات «وصلت نسبة الإشغال فيها إلى مئة في المئة». وطلبت مستشفيات كثيرة من الصليب الأحمر وغيره من هيئات الإغاثة عدم إحضار أي مصاب، لعدم وجود أمكنة حتى في مدخل الطوارئ.
الكارثة هنا لا تطال المصابين بفيروس كورونا حصراً، بل أيضاً المرضى العاديين وأصحاب الأمراض المزمنة والسرطانية ممن يتابعون علاجات شبه يومية. إذ إن هؤلاء باتوا اليوم غير قادرين على إيجاد أسرّة في المستشفيات بسبب اكتظاظها بمصابي «كورونا». والمشكلة هنا، بحسب وزير الصحة السابق الدكتور محمد جواد خليفة، هي «الإقامة الطويلة لمرضى فيروس كورونا في العنايات الفائقة». وهو ما يؤكده المدير العام لمستشفى نبيه بري الحكومي في النبطية، الدكتور حسن وزني، لافتاً إلى أن «الإقامة الطويلة لمرضى كورونا خلقت إرباكاً، إذ إننا مضطرّون إلى انتظار انتهاء فترة علاج المصاب، وهذه غالباً ما تصل إلى أسبوعين، وفي بعض الحالات الحرجة جداً قد تصل الى 50 يوماً»!
ويزيد الأمور سوءاً أنه مع ازدياد أعداد الإصابات، يعمد بعض المستشفيات، وخصوصاً تلك التي تواجه الفيروس، إلى «استحداث» أقسام أو استبدال أقسام بأخرى. يلفت وزني، مثلاً، إلى أن إدارة «النبطية الحكومي» عمدت إلى دمج قسمَي العناية العادية والولادة ضمن أقسام أخرى، وخصصت الذي كان يستضيف القسمين لتجهيز 27 غرفة إضافية لمعالجة مرضى كورونا، لافتاً الى أن هذا الخيار «ربما لن يكون الأخير» مع ازدياد أعداد المصابين، وهي حال مستشفيات كثيرة تعمد إلى تحويل مواقف السيارات والكافيتريات الى أقسام لـ«كورونا» كما في مستشفى سان جورج في بيروت.
هذه الخيارات تنعكس على المرضى العاديين الذين باتوا يفقدون أمكنتهم في المستشفيات، مع قرار معظم المستشفيات بتأجيل الحالات الباردة والعمليات الجراحية التي تحتمل التأخير، ورفض دخول أي حالة ما لم تكن طارئة. وهو ما لفت إليه نقيب أصحاب المستشفيات بالقول إن استقبال المرضى العاديين «بات صعباً جداً في ظل اجتياح مرضى كورونا للمستشفيات».
المطلوب، بحسب خليفة، تحقيق أمرين أساسيين. الأول، التخفيف من الإصابات من خلال «الالتزام والتشدد بالإقفال إلى أقصى الدرجات»، من دون أن يخفي تشاؤمه في هذا الصدد مع «التفشي الحاصل اليوم داخل البيوت». والثاني «فورية العلاج». كيف يحصل ذلك؟ يدعو خليفة الى أن «تفتح المستشفيات كلها كورونا»، أي أن يشارك الكل تفادياً لـ«المجزرة». هكذا، «يدخل إلى المستشفيات من المرضى العاديين من هم في حالة طارئة»، مع اقتراح بدائل أخرى للمساندة هنا، «كإدخال مراكز الرعاية مثلاً على خط تقديم الخدمات الطبية في المنازل للناس»… المطلوب، باختصار، «تطوير الخطة الحالية والعمل على منهجية جديدة لتدارك السيناريو الحاصل».