الضمان الاجتماعي يلحق المستشفيات ويؤجّل إعطاء الموافقات على بعض الأعمال الطبّية
ظهّر الانهيار الاقتصادي نقاط ضعف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. ما كان مخفياً لعقود بورقة تين التأجيل والمماطلة بالاصلاح، انفجر في وجه الجميع. “تلبيس الطرابيش” بين الدولة، الضمان، المضمونين والمستشفيات لم يعد يجدي نفعاً أمام هول ما يحصل.
الضمان الذي لم يستطع السباحة بعكس تيار سيطرة الاحزاب، عجز خلال سنوات طوال عن إجراء تحديد واضح للأدوار والمهام بين أجهزته والانتقال إلى الحوكمة الرشيدة. كما فشل في السيطرة على الانفاق الصحي الهائل الذي يفوق 1000 مليار ليرة سنوياً، 45 في المئة منها يذهب الى الدواء. وفقد القدرة على ضبط العجز في صندوقي المرض والامومة والتقديمات العائلية، فوصل العجز في فرع المرض والامومة الى حدود 2000 مليار ليرة في بداية العام 2018. الاستشفاء الساخن فقط
هذا الواقع الصعب يترافق مع إحجام الدولة عن سداد متوجباتها للضمان التي تفوق الـ2000 مليار ليرة، وصعوبة في كشف مستحقات الضمان على الجهات الخاصة بسبب ضعف أجهزة الرقابة، وارتفاع حالات تهرب المؤسسات من التصريح بعدد ورواتب موظفيها. كل هذا أوصلنا اليوم في عز الازمة الخانقة إلى شبه توقف الضمان عن تغطية الاستشفاء.
بعض الاطباء يفيدون بأن الضمان لم يعد يعطي الموافقة على العمليات الجراحية التي يمكن تأجيلها أو المتعارف عليها بـ “الباردة”. و”ما لم تكن العملية ساخنة وقضية حياة أو موت فان المضمون لن يأخذ موافقة الضمان على العمل الاستشفائي، ويجبر على تسديد المبلغ على نفقته”، يقول أحد اطباء العيون بناءً على متابعته اليوم للمرضى.
فشل النظام الصحي تاريخي
هذا الواقع لا يبدو مستغرباً عند رئيس هيئة “الصحة حق وكرامة” الدكتور إسماعيل سكرية، الذي لطالما حذر من فشل السياسة الصحية المتبعة التي تسير على “قاعدة استهلاكية بحتة من دون أي مراقبة أو ضوابط”. فلعبة “الشطارة والتشاطر بين المؤسسات الضامنة والدولة أوصلتنا إلى شبه انهيار في القطاع الصحي”، يقول سكرية. “الضمان لديه دين على الدولة. والمستشفيات لديها دين على الضمان وعلى الدولة. هذا العجز يدفع الصندوق الوطني للضمان للابتعاد كل يوم أكثر من الآخر عن روحية العمل التضامني وعن رسالته واهدافه”.
المشكلة بحسب الكثير من المضمونين لا تقف عند حدود صعوبة أخذ الموافقات من الضمان الاجتماعي لاجراء بعض العمليات الاستشفائية انما تخطتها إلى الفرق الكبير الذي يضطرون على تحمله مرغمين. فـ “20 في المئة التي يتحملها المضمون من كلفة الاستشفاء أصبحت في بعض الحالات أكبر بكثير نتيجة عجز المستشفيات عن تأمين بعض الادوية أو المستلزمات الطبية، كبراغي تثبيت العظام أو بعض القساطر لعمليات القلب وغيرها. والطلب من المريض تأمينها على نفقته الخاصة”، يقول سكرية.
إنهيار المستشفيات
“المشكلة الاكبر التي تواجه المضمونين أو المرضى بشكل عام هي في المستشفيات”، يقول النائب د. بلال عبدالله. “إذ انه على الرغم من حجم الدين الكبير للضمان على الدولة وضغط الازمة الاقتصادية عليه فان خدماته لم تتأثر”. ما يفاقم، من وجهة نظر عبدالله، أزمة النظام الصحي الذي يتلخص في “ارتفاع الكلفة على المستشفيات وغلاء المستلزمات والمغروسات الطبية بمقدار 10 أضعاف عن السعر المحدد لها عند الجهات الضامنة، مقابل بقاء التعرفة الاستشفائية نفسها”.
“المستشفيات أصبحت عاجزة عن تأمين استمراريتها. وهي سائرة باتجاه الانهيار بسبب انعدام قدرتها على تغطية كلفة العمليات الاستشفائية”، بحسب مدير عام مستشفى بشامون التخصصي د. معن هنيدي. وللتبسيط أكثر يشرح هنيدي الواقع المأزوم ويقول: “تسعير غرفة المريض والتي تتضمن المأكل والمشرب والمنامة والحراسة والنظافة والتدفئة والتبريد مع الطاقم التمريضي، محددة في التعرفة لدى الجهات الضامنة بـ 60 الف ليرة لبنانية. أي انها تعادل اليوم 6 دولارات أميركية. هذا ونعاني كمستشفيات من صعوبة تأمين المازوت، وفي حال الحصول عليه فبسعر يتجاوز 37 الف ليرة للصفيحة من السوق السوداء. فكيف نستطيع بـ 6 دولارات تغطية هذه الاكلاف؟”.
التفريط بمدخرات المواطنين
العجز الفاضح تجاه المضمونين والمستشفيات ما هو الا “الوجه الآخر لعجز الدولة التراكمي والتاريخي تجاه الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
وعدم تعاطي الحكومات المتعاقبة وصولاً إلى هذه الحكومة بشكل مسؤول مع الامن الاجتماعي للمواطنين”، يقول عبدالله. ولعل اخطر ما يحدث يتمثل في استمرار مد اليد على مدخرات المواطنين في فرع تعويضات نهاية الخدمة بسبب عجز الدولة عن الايفاء بالتزاماتها. فعدا عن تناقص هذه الاموال بشكل دراماتيكي فان قسماً كبيراً منها أصبح مجهول المصير بسبب وضعه كسندات خزينة في المصارف.
المجلس النيابي يعمل على حل جزء من مشكلة الضمان والمضمونين المتمثلة بتعويض نهاية الخدمة من خلال صندوق التقاعد والحماية الاجتماعية الذي يستبدل، بحسب عبدالله، آلية تعويض نهاية الخدمة بالمعاش التقاعدي.