إكتمل المشهد السوداوي في القطاع الصحي بكل مرتكزاته: الاستشفاء، الدواء، الفحوصات والطبابة. وبات على قاب قوسين او أدنى من الانهيار التام الذي سيؤدّي الى كارثة موجِعة ستصبح فيها صحة المواطن في مهب الريح.
يتهاوى قطاع الاستشفاء في لبنان كالدومينو: المستشفيات تعاني نقصا حادا في الكواشف والمستلزمات الضرورية لإجراء الفحوصات المخبرية وتشخيص الأمراض، ما جعل العديد منها يتوقف عن إجراء تلك الفحوصات للمرضى الذين يقصدونها، وجديدها إعلانها امس انها أصبحت تعاني نقصا حادا في مستلزمات غسل الكلى بما يهدّد بتوقف هذه الخدمة اعتباراً من الأسبوع المقبل في حال عدم تسليم المستلزمات للمستشفيات خلال الأسبوع الحالي.
أزمة الدواء المفقود تراوح مكانها وللغاية تتوقف الصيدليات قسراً عن العمل اليوم وغداً، وفي السياق تنتظر وزارة الصحة ان ينتهي مصرف لبنان من التدقيق في فواتير استيراد الدواء ليُصار الى دعمها وتحريرها من مستودعات الأدوية.
المختبرات الطبية التي أقفل عدد كبير منها تعاني أيضاً نقصا حادا في المستلزمات المخبرية، كالكواشف المخبرية وفقدان بعض الأنواع منها.
وقد دفع هذا الانهيار الاستشفائي الى صدور تعميم من الضمان يقضي بترشيد دخول المضمونين الى المستشفيات من أجل المحافظة على استمرارية عمل القطاع، طالباً في تعميم الى رئيسة الاطباء في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إجراء دراسة معمّقة للملفات والمعاملات الاستشفائية المقدمة ووقف إعطاء الموافقات الاستشفائية لكل الحالات غير الطارئة.
هذا الواقع الأليم الذي وصل اليه قطاع الاستشفاء في لبنان بات يضيق كثيراً على الجهات الضامنة والمريض على السواء نتيجة الفروقات في الأسعار، فالتسعيرة التي كانت تصلح لسعر صرف رسمي يبلغ 1500 ليرة باتت تشكل خسارة مفضوحة للجهات الضامنة والمستشفيات بوصول سعر الصرف الى عتبة الـ 15 الف ليرة. فكيف تتعاطى هذه الجهات مع المضمونين وأين أصبح الدولار التأميني؟
يقول نقيب أصحاب المستشفيات سليمان هارون لـ»الجمهورية» انه «لا يمكن ان ننكر انّ هناك مشكلة في التعرِفات الموضوعة خصوصاً انّ كل ما نشتريه يسَعّر وفق سعر الصرف في السوق الموازي، من مستلزمات مطبخية لأدوات التنظيف والتعقيم حتى المستلزمات الطبية نشتريها وفق تسعيرة السوق الموازي لأنّ المستوردين ما عادوا يحصلون على الدعم من مصرف لبنان. لذلك أرسلنا كتاباً الى الجهات الضامنة الرسمية مرفقاً بدراسة عن تصوّرنا لكيفية احتساب الدولار والأسعار الجديدة التي يجب اعتمادها، ونحن لا نزال في طور التفاوض».
وشرح انّ تعرفات الجهات الضامنة الرسمية لا تزال وفق سعر الصرف الرسمي أي 1500 ليرة، لذا نتفاوض معهم على تعرفات جديدة. لكن المشكلة انّ هذه الجهات، التي تشمل الطبابة العسكرية ووزارة الصحة وقوى الامن الداخلي وتعاونية الموظفين، تأخذ موازنتها الاستشفائية من الدولة، والدولة لا تملك المال لتتكفل بكلفة رفع التعرفة، ما يسبّب لنا إشكالات يضطرّ المريض في نهايتها الى ان يسدد قسماً من الفاتورة الاستشفائية من حسابه الخاص، موضحاً انّ المستشفيات لم تعتمد بعد تسعيرة السوق الموازي للخدمات التي تقدمها إنما في ما يتعلق بالمستلزمات الطبية فإنّ المريض مُجبَر على تسديد ثمنها وفق سعر الصرف اليومي.
واعلن انّ المفاوضات لرفع التعرفة مع الطبابة العسكرية هي الأكثر تقدماً، ونأمل التوصّل قريباً الى اتفاق يقضي برفع التعرفة. اما بقية الجهات الضامنة فنصطدم معها بمشكلة عدم توفر المال. وكشف انه وفق دراسة أجريت، تقترح المستشفيات ان يكون الدولار الاستشفائي بحدود الـ 6000 ليرة اذا كان الدولار في السوق الموازي 12500 ليرة، أما اليوم مع ارتفاع الدولار فالاسعار أيضا تتغير.
ورأى هارون اننا امام معضلة كبيرة، فلا الدولة اللبنانية قادرة على تحمّل كلفة الطبابة والاستشفاء والمستشفى والمريض غير قادرين على تحمّل قيمة الفروقات، لذا نحن بحاجة الى دعم خارجي، وللغاية أجرينا اتصالات مع عدة مراجع دولية، فتبيّن أنّ الكل يُبدي استعداداً للمساعدة إنما يشترط تأليف الحكومة والشروع بالإصلاحات.
أمّا بالنسبة لشركات التأمين، فقد تفاوضنا معهم على أساس انّ قسماً من الفاتورة يدفع بشيكات دولار والقسم المتبقي يدفع شيكات بالليرة اللبنانية، ولكن للأسف نحن في سباق مع سعر الصرف فعندما بدأنا بالتفاوض كان سعر الصرف في السوق الموازي 7000 ليرة، بينما اليوم تضاعف هذا السعر باقترابه من عتبة الـ 15000، والمشكلة ان هذه الشركات عاجزة عن تقاضي ثمن بوالص التأمين من المواطنين بالدولار، فكيف ستتمكّن من مواجهة هذا الغلاء؟
ورداً على سؤال، أكد هارون ان لا أفضلية لمريض على آخر، تبعاً للجهة الضامنة التي ينتمي اليها المضمون، إنما الأولوية للحالات الطارئة التي تشكل خطراً على حياة المريض، خصوصاً انّ الشركات المستوردة تسلّم المستلزمات الطبية للمستشفيات بالقطّارة، أي بكميات قليلة. وأوضح أنه في الحالات المستعجلة والطارئة لا تفرقة بين المرضى بين مَن يملك الـfresh dollar من عدمه، مثل عملية ميل للقلب… ولكن تُجرى العملية فقط إذا عَرضَ المريض تسديد كلفتها، حتى إذا كان يمكن تأجيلها ولا تشكّل خطراً على حالته ولا تغطيها الجهات الضامنة.
نسناس
من جهته، يقول رئيس جمعية شركات الضمان في لبنان ايلي نسناس لـ»الجمهورية» انّ القطاع يعيش في حالة فوضى وبلبلة «والطاسة ضايعة»، فنحن لا نعرف اذا ما سيستمر الدعم او سيرفع وإذا رفع لا نعلم عن ماذا ومتى، وهل رفع الدعم فعلياً؟ غياب هذه الأجوبة يؤثر سلباً على الكلفة، لذا لا شيء نهائياً قبل ان تتبلور كل هذه الأمور ويبدأ الحوار بين القطاعات الطبية من جهة، وشركات التأمين من جهة أخرى لوضع إطار للاستمرارية.
ورداً على سؤال عن الدولار التأميني، قال: سبق وطالبنا به لكن اليوم يجب الأخذ في الاعتبار انّ تسعيرته تختلف بين الاستشفائي والطبابة والتأمين على الحياة أو التأمين على السيارات، وذلك بالنظر الى محفظته ومدى تكوينه لليرة لبنانية وللدولار المحلي او fresh money وكل هذه الأرقام ستؤثر في التسعيرة.
كما انه في ظل هذا التقلّب الدائم في سعر الصرف في السوق الموازي يصعب تسعير البوليصة خصوصاً انها تدوم لمدة عام، لذا نأمل التوصّل الى اتفاق على صيغة يستند اليها لتسعير الدولار الاستشفائي والتأمين على السيارات.
وقال نسناس: انّ تسعيرة بوليصة شركات التأمين اليوم تختلف وفق نوعها وهي تتراوح ما بين 1500 ليرة و3900 ليرة، وذلك وفق طريقة التسديد إمّا بالليرة اللبنانية او شيك دولار او دولار، لكنه لفت الى انه حتى عند رفع التسعيرة يجب الأخذ في الاعتبار قدرة المواطن على الدفع، اذا لا يمكن إبلاغ زبائنا المتعاقدين معنا منذ سنوات اننا سنرفع التسعيرة اليوم أضعافاً مضاعفة فنحن نسعى حالياً للاستمرارية قبل كل شيء، لذا سندعو الى حوار شفاف مع كل القطاعات الطبية بحثاً عن صيغة تؤمن استمراريتنا جميعاً.
هارون: لا أفضليات في الحالات الطارئة لكن الاختيار يتم في عمليات تحتمل التأجيل