من فوائد الكلام الذي صدر عن وزير الداخلية نهاد المشنوق وعن الوزير السابق والنائب الحالي مروان حماده في الذكرى الثالثة لإستشهاد اللواء وسام الحسن، كشف النيات الحقيقية لـ«حزب الله«. هذه النيّات قديمة ـ جديدة، ولكن ثمّة حاجة الى التذكير بها من وقت الى آخر، خصوصا في ظل الإستقواء الروسي – الإيراني – الإسرائيلي على الشعب السوري.
هناك حاجة الى تذكير الحزب نفسه ايضا ببديهيات معيّنة للتأكيد ان جرائم الماضي لن يمرّ عليها الزمن، وان هناك من يلاحق من يقف وراءها وان العدالة ستأخذ مجراها مهما طال الزمن.
لعلّ في مقدّم ما يُفترض تذكير «حزب الله« به ان اللبنانيين يعرفون من قتل وسام الحسن رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن. هذا ما اكدّه نهاد المشنوق قبل سنة وأعاد تأكيده هذه السنة، كما اكّده مروان حماده عندما قال ان الهدف من قتل وسام الحسن كان «قطع رأس التحقيق بعد اغتيال مهندس التحقيق«، اي الرائد وسام عيد.
الكلّ في لبنان يعرف هذا الواقع الذي لا يمكن الهرب منه، لا عن طريق افتعال حروب مع اسرائيل، كحرب صيف العام 2006، ولا عن طريق جرائم اخرى كان آخرها اغتيال الدكتور محمّد شطح… ولا عن طريق الإنضمام الى الحرب المذهبية الطابع التي تستهدف إفناء الشعب السوري وتشريده داخل سوريا وخارجها.
كان طبيعيا ان يصدر عن السيّد حسن نصرالله الأمين العام لـ«حزب الله« ردّ فعل على كلام نهاد المشنوق ومروان حماده. اتسم الردّ بنبرة حادة تعكس شعورا بالتعالي، وكأنّ التعالي على اللبنانيين الآخرين يجعل الحزب فوق الشبهات. فحوى كلام نصرالله ان حزبه لا يستجدي الحوار وان من يريد ترك الحكومة والحوار، فإنّ «الله معه«.
لا ينطلي على احد الدور الذي يلعبه الحزب والسبب الذي يدعوه الى البقاء في الحكومة وتعطيل العمل الحكومي في الوقت ذاته. ربّما ينطلي ذلك على بعض اللبنانيين من ذوي النيّات الحسنة الذين نزلوا الى الشارع لأسباب محقّة… من دون ادراكهم ان هذه الأسباب المحقّة لا يعود لها وجود متى عادت الدولة اللبنانية الى ممارسة مسؤولياتها.
يبقى الحزب في الحكومة ويتظاهر انه في حوار مع «المستقبل« ومع الأطراف اللبنانية الأخرى من اجل تمرير الوقت لا اكثر. ما يفسّر النبرة الحادة لنصرالله الكلام الواضح والمباشر لنهاد المشنوق ومروان حماده، ان بشأن الحوار وان بشأن الإبتزاز الذي يمارسه الحزب. فلو كان من حوار مثمر، لكان هذا الحوار ادّى الى انتخاب رئيس للجمهورية قبل اي شيء آخر. لو كان من امل في الحوار، لكان العمل الحكومي انتظم ولكان الجهد انصبّ على مساعدة اللبنانيين في التغلّب على كلّ الأزمات، بما في ذلك ازمة النفايات.
كلّ ما في الأمر ان اللبنانيين يعرفون ان «حزب الله« يراهن على تمرير الوقت بغية تحقيق انتصار على اللبنانيين الآخرين وفرض مشروعه الهادف الى تغيير النظام في لبنان.
يريد الحزب، ومن خلفه ايران، البناء على وضع يده على مؤسسات الدولة اللبنانية بواسطة السلاح غير الشرعي. وهو امر حاصل الآن. صارت الدولة اللبنانية دويلة في دولة «حزب الله« المصرّ على نقل لبنان الى مكان آخر، قد يكون ذلك عائدا الى التجربة التي كانت له مع الرئيس السابق ميشال سليمان.
كانت تجربة «حزب الله« مع ميشال سليمان كي تقتنع ايران ان عليها تغيير النظام اللبناني، خصوصا انها اعتقدت ان سليمان، انما اصبح رئيسا للجمهورية نتيجة انقلاب نفّذه الحزب الذي اجتاح بيروت والجبل الدرزي في السابع والثامن والتاسع من ايّار ـ مايو 2008.
ما تريده ايران حاليا واضح كلّ الوضوح. امّا رئيس في جيبها، كما كان اميل لحود، الذي لم يكن سوى موظّف لدى رئيس النظام السوري، وامّا المثالثة مع ما يعنيه ذلك من اتيان بنائب لرئيس الجمهورية، ذي صلاحيات تنفيذية واسعة محدّدة، ينتمي الى الطائفة الشيعية ويؤمّن الوجود الثابت لطهران بشكل شرعي.
لن يعود هذا الوجود الإيراني في لبنان مقتصرا، عندئذ، على سلاح لميليشيا مذهبية ذات دور يتجاوز الحدود اللبنانية فقط. يصبح هذا الوجود جزءا لا يتجزّأ من التركيبة السياسية للبنان مع ما يعنيه ذلك من تغيير لطبيعة البلد بدءا بتحوّله ارضا معادية لكلّ اهل الخليج، كما الحال الآن، ولكلّ ما هو عربي في المنطقة.
في سبيل تحقيق هدفها اللبناني، تراهن ايران على «حزب الله« الذي يستفيد من دور ميشال عون. انه رهان على لذيذين. لذيذ ان يأتي ميشال عون رئيسا للجمهورية، ليكون اميل لحود آخر. ولذيذ الرهان على تعطيله انتخاب رئيس للجمهورية ايضا.
لم تكن ذكرى اغتيال وسام الحسن مجرّد ذكرى بمقدار ما أنّها كانت مناسبة لتأكيد انّ لبنان ما زال يقاوم وان الحوار مع «حزب الله« لا يعني بالضرورة التوقف عن السعي الى معرفة الحقيقة وملاحقة من كان وراء الإغتيالات في لبنان. لا يكفي الصوت العالي والتعالي لتغطية جرائم من نوع اغتيال رفيق الحريري والشخصيات اللبنانية الأخرى. كذلك، لا يكفي الصوت العالي للتغاضي عن الأسباب الحقيقية التي تمنع انتخاب رئيس للبنان.
بعد ثلاث سنوات على رحيله، لا يزال وسام الحسن حاضرا. كشف خيوط جرائم «حزب الله«. الذين تحدثوا في الذكرى الثالثة لرحيله اكّدوا أنّ المهمة التي نذر نفسه من اجلها لم تمت معه.