عدائية «التيار العوني» ضد العاصمة تتلاقى مع ممارسات المتظاهرين باستهداف العاصمة
إنجازات الحريري الإعمارية والولاء السياسي لأهل بيروت يشكلان هواجس لعون وفريقه
إحدى العقد التي تتحكم بالتيار العوني عدم قدرة زعيمه على تحقيق إنجاز مشابه لإنجاز الرئيس الشهيد بإعادة إعمار وسط بيروت
يُلاحظ أنه في كل مناسبة مهمّة أو لقاء جماهيري وما شابه للتيار الوطني الحر يكون لمدينة بيروت حصة كبيرة من السهام المسمومة ومشاعر الحقد والحسد الموجهة ضدها، إن كان على لسان زعيم «التيار العوني» المتنحي النائب ميشال عون أو على لسان صهره المعيّن حديثاً على زعامة التيار الوزير جبران باسيل حتى أصبحت حالة التهجّم على العاصمة من بديهيات الخطاب السياسي والحملات الإعلامية للتيار وتطرح العديد من التساؤلات والاستفسارات لدى العامة من المواطنين عن أسبابها والأهداف المتوخاة منها.
لا شك أن حكاية العماد ميشال عون مع العاصمة بيروت طويلة وليست «بنت ساعتها» كما يقولون وقد بدأت فور تسلمه مهمات رئاسة الحكومة المؤقتة بتكليف من رئيس الجمهورية السابق المنتهية ولايته أمين الجميّل في نهاية ثمانينات القرن الماضي ويومها لم يستطع إستمالة العاصمة لجانبه وخصوصاً الشطر الغربي منها وكانت النظرة لوجوده في قصر بعبدا سلبية لا سيما بعدما تكشف طموحه للوصول إلى سدة الرئاسة الأولى بالقوة، وزاد في حالة الرفض هذه المجزرة التي تسبب بها القصف المدفعي الذي شنّه في إطار ما سمّي يومذاك بحرب التحرير ضد الوجود السوري واستهدف المدنيين الأبرياء في منطقة اليونيسكو وراح ضحيته العشرات، وزادت الهوّة مع سلسلة الحروب التي شنّها عون طوال وجوده في قصر بعبدا وكانت نظرة أبناء العاصمة على وجه العموم سلبية ضده استناداً لممارساته وتراكمات الحروب التي خاضها وأدت إلى وضع الجيش السوري يده على لبنان وتسلّم كل مفاصل وأسرار الدولة اللبنانية خصوصاً بعد احتلاله لوزارة الدفاع الوطني.
ولم يستطع عون ترميم علاقته مع أبناء العاصمة طوال سنوات وجوده بالخارج بعد موالاة هؤلاء وتأييدهم شبه الكاسح للرئيس الراحل رفيق الحريري الذي استطاع إعادة اعمار الوسط التجاري لبيروت وتنفيذ العديد من المشاريع المهمة وبناء البنى التحتية في المناطق اللبنانية كافة ونقل لبنان من مرحلة الحرب والدمار والخراب التي تسبب بجانب منها العماد عون إلى مرحلة البناء والتطور والازدهار.
ولدى عودته إلى لبنان بعد انسحاب الجيش السوري مرغماً بفعل انتفاضة 14 آذار التاريخية استنكاراً لجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لم يستطع رئيس تكتل التغيير والإصلاح إرساء علاقة جديدة يمحو بها المؤثرات السلبية لممارساته السابقة، بل أدى تحالفه مع «حزب الله» إلى زيادة الهوة القائمة مع أبناء العاصمة خصوصاً بعد سلسلة من المواقف العدائية التي تعبر عن توجهاته ومشاعره الحاقدة تجاه العاصمة ومنها على وجه الخصوص مشاركة الحزب باحتلال وسط العاصمة وشل حركتها التجارية وتغطيته اجتياح الحزب لبيروت بالسلاح يوم السابع من أيّار المشؤوم والاعتداء على الآمنين فيها ومروراً بإعلانه في يوم من الأيام بأن عوداً واحداً من الكبريت بإمكانه إشعال الوسط التجاري لبيروت وما إلى هنالك من مواقف سلبية أخرى استكملها صهره جبران باسيل بسلسلة تصرفات للنيل من بيروت عندما حاول أكثر من مرّة حرمان العاصمة من التزود بالتيار الكهربائي وإلغاء قرار مجلس الوزراء الذي اتخذه الرئيس الراحل رفيق الحريري بتخصيص بيروت بساعات تغذية أكثر من باقي المناطق باعتبارها العاصمة التي تعتبر المركز الأساس للأعمال والتجارة والحركة السياسية والإدارية في كل لبنان وبالتالي لا يمكن مساواتها بكل المناطق.
وفي حفل التسليم لزعامة «التيار الوطني الحر» تناول الوزير باسيل بيروت عندما قال: «الطائف ليس بيروت».
كل هذه الوقائع والمواقف والتصرفات التهجمية لقيادة «التيار العوني» تجاه العاصمة تؤشر إلى الاستياء البالغ ضدها لعدم قدرة التيار وحليفه «حزب بالله» على تطويع أبنائها وارغامهم على تغيير تأييدهم للرئيس سعد الحريري بالرغم من كل أساليب الترهيب والتخويف التي اتبعوها طوال السنوات العشر الماضية، حتى عملية تغيير التقسيم الانتخابي التي أصرّ على فرضها العماد عون بدعم من الحزب في اتفاق الدوحة على بعض دوائر بيروت لم تؤد إلى تحول نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة لصالحه وبقيت بيروت على حالها.
ليس هذا السبب الوحيد الذي يدفع التيار العوني للتهجم على بيروت، هناك عقدة أساسية تتحكم بشخصية ميشال عون وخليفته ومعظم أركان التيار العوني، وهي عدم قدرة زعيمهم على تحقيق إنجاز مشابه لإنجاز الرئيس الراحل رفيق الحريري بإعادة اعمار وسط بيروت والنهوض بلبنان نحو الأفضل أو حتى دون ذلك بكثير ولو بمشروع نهضوي متواضع في أي منطقة لبنانية، فمسيرة ميشال عون منذ توليه أوّل منصب برئاسة الحكومة المؤقتة وحتى هربه إلى باريس ومن ثم عودته إلى لبنان وحتى الآن، هي مسيرة سلسلة حروب ودمار وخراب وكوارث وتهجير للبنانيين والمسيحيين خصوصاً وفراغ رئاسي متكرر تحت شعار «انا أو لا أحد غيري» وحتى خليفته بزعامة التيار لم يستطع طوال توليه المسؤولية من إضاءة «لمبة» واحدة في مسيرة التيار المعتمة مع كل مئات الملايين من الدولارات التي صرفها على قطاع الكهرباء.
هذه «العقدة» الهاجس للعماد عون والكراهية للعاصمة ليس صدفة انها تتلاقى حالياً في جوانب عديدة مع حملات التعدّي والحقد التي يرفعها متظاهر والشعارات المستحدثة هذه الأيام تحت راية المطالب والمشكلات القائمة، بينما يبقى الهدف واحداً باستهداف إنجاز رفيق الحريري بإعمار الوسط التجاري، في حين ينسى زعيم «التيار الوطني» الجديد انه اختار قلب هذا الوسط لبيروت منذ أسابيع ليسبغ هالة الزعامة المستجدة على شخصيته ولم يختر الرابية أو مسقط رأسه البترون أو أي منطقة أخرى لأنه يعرف مدى أهمية وتأثير بيروت على غيرها.