تمكين النساء والمشكلات التي تواجههن، من القضايا الملحّة عالمياً، خصوصاً أنها طُرحت على طاولات نقاش المنتدى الاقتصادي لزعماء العالم ورؤساء الشركات «دافوس»، أكثر من أيّ وقت مضى. هذا المنتدى الذي يعالج أزمات الكوكب ويرسم مستقبله بدأ يعي بجدّية أنّ تطوير أوضاع النساء شرطٌ أساسي لتطوير العالم كله.
لم تقلّ المبادرات والتصريحات التي عبّرت عن دعم الزعماء السياسيين والاقتصاديين لقضايا النساء خلافاً عن السنوات الماضية حين كان يُؤخذ على هذا المنتدى تجاهله لقضايا المساواة بين المرأة والرجل. رؤساء دول تعمّدوا تناول أهمية منح النساء المزيد من الحقوق خلال مداخلاتهم، ومن بينهم رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري.
الحريري
كما شاهدنا عبر شاشات التلفزة، لم تمرّ مداخلةُ الرئيس الحريري دون تطرّقه إلى أهمية العمل على تعزيز المساواة بين الرجل والمرأة. وقد أكّد من «دافوس»: «في الماضي لم تكن لدينا وزارة لشؤون المرأة، وفي المرة المقبلة نأمل أن نرى الحكومة بأسرها مختلفة، مع عدد أكبر من النساء».
وأضاف: «أنا فعلاً أؤمن بأننا إذا ما سمحنا للمرأة بأن تدير الأمور فسيكون هذا أفضل وأكثر استقراراً للبنان». ولم يكتفِ الحريري بالقول فقط، بل قدّم برهاناً عن حسن نواياه في هذا المجال، إذ حرص على تحقيق المساواة الجندرية في وفده الرسمي المرافق الذي ضمّ عدداً من النساء.
ترودو
من جهته، استقطب رئيس الوزراء الكندي «جوستان ترودو» اهتمامَ العالم حين شدّد على أهمية المساواة بين الجنسين. وفي كلمته، أوضح أنّ وجود المرأة في سوق العمل حرّك النموّ الاقتصادي. واستشهد ترودو بدراسة أعدّها معهد بيترسون للاقتصاد الدولي أظهرت أنّ رفع عدد النساء في المناصب القيادية من صفر إلى 30 في المئة زاد الأرباح بنسبة 15 في المئة، كما عزّز تنوّعَ الأفكار.
ملالا
الناشِطَة الباكستانية في مَجال تعليم الإناث، وأصغر حاصلة على جائزة نوبل على الإطلاق ملالا يوسفزي كانت مدعوّةً إلى المنتدى، لطرح أهمية تعليم النساء. خلال مداخلتها، حثّت النساء على تغيير العالم ورسم مصيرهنّ ومصير المجتمع. وقالت أمام حشد نسائي: «لن نطلب من الرجال أن يغيّروا العالم سنفعل ذلك بأنفسنا».
#أنا_أيضاً
بينما تعي النساء وخصوصاً الناشطات أنّ تغيير العالم يتطلّب تغييرَ ذهنيات وتعديل سلوكيات وتحقيق مبدأ الثواب والعقاب والتشدّد في تطبيق القوانين، لازال العالم يضجّ بأخبار التحرش الجنسي. ولم تغب أخبارُ وتداعياتُ هذا الطاعون التي انتشرت أخباره من الولايات المتحدة الأميركية إلى العالم عبر هاشتاغ #Me_too، عن طاولات نقاش «دافوس».
فبعدما نزعت نساء كثيرات القناع المحترم عن وجوه وحوش حاولوا استغلالهن لإشباع ملذّاتهم، اهتزّ استقرار أباطرة في عالم السياسة والأعمال ومنهم مَن انتهت حياتهم المهنية. لهذا الموضوع النسوي بامتياز خصّص «دافوس» جلستي حوار تحت عنوان: «كيف نوقف التحرش الجنسي؟»، و«الجندرية والسلطة وإيقاف التحرش الجنسي».
آثار التحرّش
يُذكر أنّ الغرب اعترف بمشكلة التحرش الجنسي وبآثارها المدمّرة على نفسيات الضحايا منذ عشرات السنين ووضع لها الأطر القانونية الرادعة. ولكن، ها هي الرئيسة المشاركة في مؤسسة غيتس ميليندا غيتس، تقترح على المجتمعين في منتدى «دافوس» العملَ على تقديم دراسات وأرقام حول تأثير التحرش على الاقتصاد، لافتةً إلى أنّ الأرقام والحقائق القاطعة تنقص في هذا المجال، ما يعيق معالجة الأمر بشكل أسرع.
وتؤكد غايتس: «الكل يعرف أنّ التحرش الجنسي مشكلة كبيرة، ولكن يا ليتنا نعرف كم هي كبيرة، وكم عدد ملايين الدولارات التي يتكبّدها الاقتصاد سنوياً جراء هذه الآفة».
نعم، لا يجب أن تطال الدراسات تأثير التحرش على نفسية المرأة وحسب بل يجب أن تتعدّاها لتكشف كيف أنّ تدمير سعادة النساء وراحتهن وأمانهن في العمل قادر على تهديد التطوّر الاقتصادي بأسره.
وتضيف غايتس: «على القادة المجتمعين في دافوس أن يقيسوا وزن النساء في عالم الاقتصاد، وتأثير التحرش الجنسي وعدم المساواة بالأجور بينهن وبين الرجال، وغيرها من أشكال عدم المساواة في شتى القطاعات، على الأرباح».
ومن المعلومات الضئيلة في هذا المجال دراسة تكشف أنّ نصف النساء اللواتي يتعرضن للتحرش في مكان العمل وهنّ في أواخر العشرينات من عمرهن، يبحثن عن عمل آخر في غضون عامين. الكثيرات من بينهن يقصدن مجالات عمل تطغى عليها النساء حيث يشعرن بأمان أكبر ولكن يتقاضين رواتب أقل. ذلك يدلّ على أنّ التحرش الجنسي في أماكن العمل يحدّ تطوّر المرأة مهنياً في كل العالم.
أين نحن؟
وسط كل هذا النقاش العالمي المتقدّم، لازلنا في لبناننا ننتظر أن يقرَّ مجلس النواب قانون حماية النساء من التحرش في الأماكن العامة، إذ إنّ الأطر القانونية البدائية المتعلّقة بهذه المسألة لازالت غير موجودة، ولسنا نعرف حتى الساعة إن كان القانون سيحظى بأصوات النواب المطلوبة ليمرّ، أم إنهم سيصوّتون ضده مكرّسين الوجه المتخلّف لبلادنا.