معاناة النصف دوام والنصف راتب… و”اللاإشغال” 90 في المئة
تتوالى الإنهيارات في القطاعات الاقتصادية، منذرة بكارثة حقيقية. فبالأمس سقطت التجارة بضربة منْع التحاويل المصرفية إلى الخارج، ومن بعدها أصيبت الصناعة بمقتل بأداة وقف الإعتمادات المصرفية والعجز عن استيراد المواد الأولية، وقبلهما كانت الزراعة، ولا تزال، تعاني من أدوات الحصار نفسها، مضافاً إليها التحديات الطبيعية وغير الطبيعية… أما اليوم فقد أتى الدور على القطاع السياحي، الذي يمثّل المصدر الثالث المستجلب للعملة الصعبة.
مأسوية هي أخبار الفنادق. أبنية شاهقة، بُنيت بعمل دؤوب ونضال دائم. استمرت على الرغم من كل الظروف، وكانت الشاهد والشهيد في بلد ينام على أزمة ليصحو على حلّ، منذ إعلانه كبيراً. إلا ان أصحابها ينتابهم أكثر من أي وقت مضى “كابوس” الغفوة الأبدية، وعجزهم عن الإستيقاظ مجدداً في ظل هذه الظروف.
“لطالما سوّقنا بروباغندا إعلامية وإعلانية تشير إلى ان البلد في خير حال، إلا انه منذ ثلاث سنوات ينحدر عمل الفنادق بنفس درجة انحدار البلد”، يقول وليد عرموني صاحب فندق “ريجنسي بالاس” Regency Palace Hotel – أدما.
في الوقت الذي كانت تشهد فيه فنادق لبنان نسبة إشغال تصل إلى 100 في المئة في هذه الفترة من السنة، لم تتجاوز نسبة الحجوزات هذا العام في فنادق العاصمة الـ10 في المئة، أما خارج بيروت فبالكاد تلامس نسبة الإشغال الـ5 في المئة. الحجوزات تعود بأغلبها إلى رجال أعمال، وبعض العراقيين الذين يقصدون لبنان للعلاج أو أثرياء سوريين، يشكّل لبنان بالنسبة إليهم ممرّاً إلى الخارج.
إقفال الفنادق بدأ
من لم يُقفل أبوابه نهائياً لجأ إلى تخفيض دوام العمل إلى النصف، مع اقتطاع نسب مئوية من رواتب الموظفين والعاملين تجاوزت في كثير من الأماكن الـ50 في المئة.
المشكلة الأساسية بالنسبة لأصحاب الفنادق هي ارتفاع الكلفة التشغيلية وعدم القدرة على تخفيض نوعية الخدمات. وبحسب عرموني “تبلغ كلفة التشغيل الشهرية في فنادق الخمس نجوم 500 ألف دولار أميركي، وهو ما يشكل خسارة موصوفة في هذه الظروف”.
رشاد شمس الدين من فندق رامادا Ramada Downtown يقول ان “نسبة الإشغال المطلوبة لتأمين تكاليف عمل الفندق، من أجور وماء وكهرباء وغيرها الكثير من المتطلبات هي 50 في المئة، وهي تشكل الحد الفاصل بين الربح والخسارة، وبالتالي فان نسبة إشغال 10 في المئة لا تشكل تراجعاً، انما خسارة يومية بنسبة 90 في المئة، يتحملها اليوم أصحاب المشاريع مرغمين”. ويرى شمس الدين أن “لا تخفيض الأسعار ولا العروضات المميزة تجذب السياح، بدليل انعدام الحجوزات لليلة رأس السنة”.
هذا الواقع الصعب دفع بصاحب فندق “أوكلاند” – ريفون، جورج صفير إلى إقفال فندقه وصرف عماله وموظفيه. “لقد فقدنا القدرة على تأمين المازوت لتدفئة الأوتيل”، يؤكد صفير بحرقة.
مجموعة لانكستر التي تملك 5 فنادق في العاصمة وضواحيها توظف أكثر من 600 عامل وموظف تعاني الصعوبات نفسها، وبحسب المدير العام للمجموعة وليد اسماعيل فإن “المردود لم يعد يُذكر أمام كلفة التشغيل، والحرص على المحافظة على مستوى الخدمات المقدمة”. “مختلف الفنادق تعمد إلى تشغيل عمالها لمدة 15 أو 10 أيام فقط في الشهر لتخفيف الكلفة وأتوقع ان يعجز ثلثا الفنادق عن دفع أجور العمال في الأشهر القليلة القادمة”، توضح صاحبة فندق Small ville Badaro صوفيا فخري.
الحلول المطلوبة
صحيح ان الظروف اليوم أصعب من أي وقت مضى إلا ان نتائج ما يحصل تعود إلى الأعوام الماضية. فبحسب نقيب أصحاب الفنادق بيار أشقر فإن “وتيرة الأزمة في الفنادق إرتفعت مع نشوب الحرب السورية في العام 2011 وقطع الطريق الدولية، فخسرت السياحة البينية 350 الف سائح عربي، منهم 200 ألف أردني”. وتيرة التراجع لم تقتصر على العدد إنما على المردود الذي يؤمّنه القطاع “فتراجع مدخول الفنادق في العام 2018 بنسبة 40 في المئة بالمقارنة مع العام 2009”.
الأشقر أطلق مع مجموعة كبيرة من أصحاب الفنادق صرخة مدوية وطالب الدولة بالوقوف إلى جانب القطاع واتخاذ الإجراءات التي تضمن استمراريته بالحد الأدنى، ومن المطالب: “مساواة الفنادق بالخطة والهندسات المالية التي عمل بها مصرف لبنان لتمويل دولة فشلت من سوء إدارتها وهدرها وسرقاتها، معاملة الفنادق مثل المهجرين السوريين والمخيمات الفلسطينية لجهة إعفائهم من رسوم الكهرباء والمياه، إعفاء الفنادق من المتوجبات على الضمان الإجتماعي وبدون غرامات ومهل، مطالبة القضاء بإعفاء موقّت من الأحكام المالية والإفلاسية والتعاقدية إذا تعثّر أي فندق حتى يستعيد الوطن عافيته، مناشدة المصارف تخفيض الفوائد المدينة كما خفضوا الفوائد الدائنة، لأن الفوائد المطبقة حالياً تطبق لدى المرابين، وعدم تنفيذ وضع اليد على أملاك الأجداد والآباء في أيام ضيق الوطن”.