IMLebanon

خطوط المؤسسات الساخنة “باردة”… يُرجى المحاولة من جديد

 

الضمان لا يجيب والصحة تبدّل أرقامها أسرع من “كورونا”

نحيا في بلد كل شيء فيه ساخن إلا “الخطوط الساخنة” التي هي، في المبدأ، “من أجلنا”. فهل صادف ان اتصلتم بخطّ ساخن و”بردت” همتكم وأنتم تنتظرون الإجابة؟ هل صادف أن اتصلتم بخط وزارة الصحة العامة الساخن؟ هل اتصلتم بخط مصلحة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الساخن؟ هل اتصلتم بخطوط مصالح المياه والكهرباء والبيئة والعمل والتربية الساخنة؟

 

ما يهمنا اليوم أكثر من أي اهتمام سبق في أي يوم آخر هو مصير الإتصال بالخط الساخن لوزارة الصحة العامة. فالصحة تسبق أي اهتمام فكيف حالها في زمن “كورونا”؟ نبحث عن خط وزارة الصحة الساخن فنجد بدل الرقم أرقاماً. 1214. هو خط ساخن لكن سرعان ما ندرك أن الوزارة تعتذر من “المواطنين الكرام” عن تلقي الإتصالات عليه بسبب عطل تقني وتضع بديلاً عنه الرقم 594459 01/. نتصل. لا أحد يجيب. نبحث أكثر. ثمة رقم آخر هو 1787. نتصل عليه وننتظر. فنتلقى إجابة صوتية: مرحباً بكم على الخط الساخن لكوفيد-19 في وزارة الصحة. ولخدمتكم بشكل أفضل سيتم تسجيل هذه المكالمة. لطلب المعلومات اختر رقم 1. لطلب الاستشفاء اختر رقم 2. نختار 1 فيجيبنا التسجيل الصوتي: حالياً كل الخطوط مشغولة. الرجاء الانتظار او معاودة الاتصال. نعود ونتصل ونختار رقم 2 فيتكرر الجواب نفسه. ننتظر. نكرر الإتصال. وننتظر كثيراً الى أن نملّ. البرودة واضحة في الخط الساخن في وزارة الصحة. نتصل بمستشفى رفيق الحريري. ثمة رقم هاتف هو 820830 01 وهناك رقم خلوي واتساب هو:897961 76 وهناك اتصال ساخن من خلال سكايب. مستشفى رفيق الحريري يعلن ان خطه الساخن هو للاستجابة للطوارئ. وهذا طبعاً ما هو مطلوب اليوم.

 

وهو يحدد لزومه ومن يجيب: نحن فريق يضم أكثر من 200 خبير ومتطوع لمتابعة كل جديد حول فيروس كورونا، وتأمين خدمة المتصل والإجابة على الاستفسارات للحالات الطارئة وإجراءات الحجر ونتائج الفحوصات وأي معلومات أخرى تتعلق بفيروس كورونا. فهل المتصل في خط مستشفى رفيق الحريري الساخن في أمان؟ تجيب عاملة في المستشفى وتحولنا الى المسؤولة عن هذا الخط نسرين الحسيني. نتصل بها فتوضح أن “الخطوط تغيرت والإهتمامات أيضا تغيرت”، وتشرح: “بدأنا أول الجائحة call center مع أوجيرو. ثم حدثت مشاكل جمة بعد ان اشتد الضغط علينا لذا نشتغل على تأمين خط جديد يتعلق بنتائج PCR، اما المعلومات المفيدة فتكفلت بها وزارة الصحة من أجل تثقيف المرضى وتعزيز التوعية ومنح الارشادات. كل هذه المسائل باتت في ايدي وزارة الصحة”. نعود لنتصل بالوزارة على خطها الساخن الذي يستمر بارداً جداً. لا جواب. فهل تتصورون ماذا قد يشعر مريض يبحث عن أجوبة وهو “لا معلق ولا مطلق” ولا يجد من يجيبه؟

 

 

ننحني أمام وعي مستشفى رفيق الحريري والحضور الدائم للإجابة، اما الوزارة فلا بد انها تتلقى الكثير الكثير من الغضب الشعبي. الخط الساخن لوزارة الصحة هو في غرفة إدارة الطوارئ والكوارث وهو، في حدّ ذاته، كارثة.

 

ونحن نقلب بين الخطوط الساخنة نسمع عن خط ساخن جديد لمرضى “كورونا” وضعه مستشفى أوتيل ديو للتوّ هو 01604000 للإجابة على الأسئلة وتوجيه وإعطاء النصائح وطمأنة الأشخاص. اللبنانيون بالفعل بحاجة الى من يرشدهم ويطمئنهم. نتصل فيجيب تلميذ طبيب بهدوء. ويخبرنا: “نحن لا نصف أدوية ولا نمنح استشارات بل نعطي معلومات عامة الى الأشخاص: متى يفترض الالتزام بالحجر؟ وكم يفترض البقاء فيه؟ ومتى يحتاج الى اوكسجين؟ ومتى عليه التوجه الى الطوارئ”، يضيف: “نحن أطباء أو تلاميذ طب نشرف على الخط الساخن ونستقبل الاتصالات بأنفسنا واليوم (البارحة بعد الظهر) استقبلنا في اقل من نصف ساعة اكثر من 15 اتصالاً”. الإتصالات “متل الشتي” وحاجات اللبنانيين كبيرة ليجدوا من ينصت فعلاً الى مخاوفهم وما يشعرون به.

 

ماذا عن خطوط وزارة الاقتصاد الساخنة؟

 

نتصل على الرقم 1739، هذا هو الخط الساخن لمديرية حماية المستهلك في وزارة الإقتصاد، مرات وفي كلها جواب واحد: أنتم على اتصال بمكتب تلقي الشكاوى في وزارة الاقتصاد والتجارة. فماذا نفعل في مواجهة التلاعب الهائل في الأسعار؟

 

نتصل بجمعية المستهلك التي أعلنت عن خطها الساخن في العام 1998 لمواجهة الاقتصاد الذي يتحكم فيه السياسيون ومنظومة الفساد والاحتكارات بأكثر من 80 في المئة منه، فيجيبنا مدير الخط الساخن في الجمعية غالب السباعي. هو ورئيس الجمعية زهير برو حاضران دائماً للإجابة ولكن: بماذا يجيبان؟ وما هي الشكاوى التي يتلقونها اليوم؟ يجيب السباعي: “تصل إلينا الشكاوى ونحلها من خلال البلديات والوزارات المعنية من اقتصاد وزراعة وصحة. ولكن، لماذا لا تجيب مصلحة المستهلك التابعة لوزارة الإقتصاد ما دامت الجمعية تعود إليها بالشكاوى؟ يجيب: “نحن كجمعية وسيط بين المواطن والوزارات والبلديات وفي أحيان كثيرة نقوم بحلّ المشكلات في أرضها، فنراجع من سُطرت بحقهم الشكوى الشعبية، من دون مراجعة المعنيين الرسميين. أما أكثر الشكاوى التي تردنا الآن على الخط الساخن، الذي يعمل 24 على 24ـ فهي غلاء الأسعار، لا سيما تحليق أسعار الخضار والفاكهة وفقدان بعض المواد. فالسكر غير موجود والكيلو الواحد إذا وجد فيباع بخمسة آلاف وبستة آلاف. وهناك شكاوى كثيرة عن عدم إعلان الأسعار. وتصلنا يومياً بين 10 و 12 شكوى”. يبدو أن الخطوط الساخنة – الباردة الرسمية بحاجة الى وسيط ساخن بينها وبين المواطنين اللبنانيين الذين يواجهون في يومياتهم عذابات الأرض كلها.

 

وزارة الطاقة والمياه باردة هي أيضاً. تبدو الوزارة وكأنها استغنت عن الخط الساخن القديم 1781. نطلبه مراراً وتكراراً فيرد المجيب الصوتي معلناً: إن الرقم المطلوب غير موضوع في الخدمة. يبدو وكأن الوزارة استعاضت عن الرقم بصندوق شكاوى. وما بالكم بما تؤول إليه صناديق الشكاوى في لبنان! الى مستوعب المهملات؟ هذا ما يحصل إذا كانت ورقية في صندوق في زاوية المؤسسات و”delete” إذا كانت شكوى “أونلاين”. أوليست هذه حال كل الشكاوى التي رفعها اللبنانيون منذ السابع عشر من تشرين الأول في ساحات الثورة؟

 

شركة المياه لديها خط ساخن هو 1785 لدوائر التوزيع، لكن المجيب الصوتي “مروكب” على “نظراً لكثافة الإتصالات يرجى المعاودة لاحقاً”. ولكن، سرعان ما يتبين وجود رقم ساخن آخر لمصالح المياه هو 1713 يمكن الإتصال به في حال تعرّضَ المواطنون الى محاولة إبتزاز أو غش أو خداع موثقة من أي عامل في المؤسسة. نتصل به فيأتينا الجواب: أنتم على اتصال بمكتب خدمة الزبائن الرجاء الإتصال خلال ساعات دوام العمل الرسمي. غريبٌ عجيب هو أمر خطوط مؤسساتنا الرسمية الساخنة. إنها أكثر “برودة” من دولتنا الحبيبة. أرقام وأرقام تتبدل، تتغير. فكل فترة يوضع رقم جديد، ووزارة الصحة سبق وتحدثت عن خط ساخن وضعته بالتعاون مع شركة teleperformance. نتصل بالشركة لفهمِ أكثر سبب تبدل الأرقام مع كل طلعة شمس فلا تجيب. الخط مشغول دائماً. هو معطل ربما. والشركة بدت بحاجة الى شركة إتصالات أو الى رقم جديد.

 

وزارة البيئة تخبرنا عبر خطها الساخن 1789 أننا معها وتسألنا من خلال المجيب الصوتي عن مشكلتنا: فهل شكوانا إدارية أو بيئية؟ وتنسانا على الخط. ننتظر كثيراً على الهاتف ولكن “لا حسّ ولا خبر”. ومثلها رقم الضمان الإجتماعي الساخن 2424. هو مشغول ليل نهار. فلماذا هذه البرودة المستمرة في الخطوط الساخنة؟ ترى لبنان أخفق أيضاً في اعتماد الخطوط الساخنة وسيلة بين مواطن مسكين وإدارة متحكّمة بمصائر البشر؟ الخط الساخن معتمد في كل أرجاء المعمورة، من قبل كل المؤسسات التي تتمتع بأخلاقيات إدارية، وهو لو طبق بالشكل الصحيح يمكنه تجنيب البلاد والعباد الكثير من الإحتيال والمشاكل، وعلى التقاط المعلومات للتحقيق في شكل إستباقي يسمح للإدارة بالتحكم بمسائل كثيرة واتخاذ الإجراءات في الوقت المناسب.

 

خذوا مثلاً الخط الساخن للوقاية من الإنتحار في لبنان Embrace وهو 1564. هناك دائماً من يُجيب عليه ورواد هذه الجمعية يدركون أن “الخط الساخن يمكن أن يخفض معدلات الإنتحار بين 36 و57 في المئة، لأن من يعانون من الأفكار الإنتحارية قد يمنحهم هذا الخط بعض الدعم إذا وجدوا من يصغي إليهم بمهارة”. فهل تتصورون أن شخصاً يفكر في الإنتحار يتصل برقم وزارة الصحة الساخن مرة ومرتين وثلاث، ويسمع في كل مرة المجيب الصوتي يُخبره: نظراً لكثافة الإتصالات يرجى تكرار المحاولة دائماً؟

 

وزارة الزراعة لديها هي أيضاً رقم ساخن هو -964621 81. إتصلنا وانتظرنا. عبثاً. المواطن الذي تريده الوزارة خفيراً سيتعب حتماً من انتظار المجيب. والمضحك – المبكي هو وجود خط ساخن لدى جمعية مصارف لبنان لتلقي شكاوى عملاء المصارف ومراجعات المواطنين الكرام. لم نتصل. فماذا سنقول لهذه الجمعية بعد: “سرقتونا يا حراميي!”.

 

صناديق الشكاوى كثيرة. ثمة صندوق نظمته وزارات عدة بعنوان “شكوى ضدّ الإدارة”. الطاقة لديها واحد. وزارة العمل لديها ايضاً مكتب شكاوى. وزارة الدولة لشؤون مكافحة الفساد كانت قد وضعت هي أيضا (قبل إلغائها) صندوق شكاوى في القصر الجمهوري. تُرى هل لا يزال موجوداً؟ وما نفع كل هذه الصناديق ما دام المواطن قد فقد كل الثقة بكل وزاراته ويعرف أن من لا يسمع صوته لن يجيب على شكوى مكتوبة.

 

قليلةٌ جداً هي المؤسسات التي لا تضع خطها الساخن في البراد المثلج. ونادرة هي المؤسسات التي تجيب المواطن “ألو” وهو في أمس الحاجة إليها. إنها عينة من خطوط دولتنا الباردة.