IMLebanon

الخطوط الساخنة بين موسكو وتل أبيب للتنسيق في سوريا  

في لقاء بوتين نتنياهو، الذي جمعهما على هامش مؤتمر المناخ، في باريس، أكد الأخير أهمية التعاون العسكري والاستخباراتي مع روسيا لمنع وقوع ما سماها: حوادث غير ضرورية. وأعرب رئيس الحكومة الإسرائيلي، أن تل أبيب وموسكو ستمضيان في طريق التنسيق والتعاون على الأرض وفي الجو، الذي أسساه في اجتماع سابق بين القيادتين، بخصوص العمليات العسكرية الروسية والإسرائيلية في سوريا، لمنع أي صدام غير مقصود بين الجانبين، وأضاف نتنياهو أن الأحداث المأسوية الأخيرة في إشارة إلى إسقاط المقاتلات التركية، للقاذفة الروسية يؤكد ضرورة استمرار التنسيق على أعلى مستوى. الرئيس الروسي بدوره، أشاد «بآلية التعاون« بين بلاده، وتل أبيب وأكد أن هذه الآلية تعمل بنجاح، وتحقق أهدافها. 

وفي رد رئيس الدائرة السياسية في وزارة الجيش الإسرائيلي عاموس جلعاد، على المعلومات التي تشير إلى نشر روسيا صواريخ أس 400 في سوريا، أوضح جلعاد أن ذلك لن يؤثر على النشاط العسكري الإسرائيلي في سوريا. وأكد على حفاظ إسرائيل وروسيا، على التفاهمات التي تقضي بحرية عمل سلاح الجو الإسرائيلي في الأجواء السورية، لمنع نقل الأسلحة من إيران إلى حلفائها في لبنان عبر سوريا من جهة. واستخدام سلاح الجو الروسي، للمجال الجوي الإسرائيلي خلال عملياته في سوريا من جهة أخرى. وأشار جلعاد إلى أنه في كثير من الأحيان دخل الطيارون الروس، مجالنا الجوي، وبفضل التنسيق الأمني الممتاز لم تحصل أي مشاكل تذكر. 

ويعود التاريخ الرسمي، للتفاهمات بين موسكو، وتل أبيب بشأن النشاط العسكري في سوريا – والتي لا يتردد المسؤولون في الدولة العبرية، من إظهار مدى رضاهم عنها في أكثر من مناسبة إلى اللقاء الذي تم في موسكو بين نتنياهو وبوتين، على خلفية زيادة التدخل العسكري الروسي في سوريا، والمعلومات الواردة إلى تل أبيب عن القاعدة الجوية التي كانت تبنيها روسيا في منطقة حميميم قرب اللاذقية وتحليق عشرات الطائرات الروسية في سماء سوريا، ونقل وحدات خاصة وسفن ودبابات وصواريخ روسية إلى الأراضي السورية. وتتحدث التقارير الإعلامية العبرية، عن كواليس اللقاء الذي جاء خلافاً للصورة النمطية، التي جرت عليها اجتماعات سابقة بين رؤساء الحكومات الإسرائيلية ورؤساء روسيا، والتي كانت تشبه الطقوس الثابتة، حيث كانت إسرائيل تعرض قلقها من بيع السلاح الروسي المتطوّر (صواريخ، منظومات دفاع جوي) لسوريا وإيران، التي تتسرّب عبرهما إلى «حزب إيران في لبنان«. وكان يجري إسناد هذا القلق بمعلومات استخباراتية دقيقة. والروس من جانبهم ينفون أن أسلحتهم، تصل لذلك الحزب، وإذا حدث ذلك، فإنه بدون الاتفاق معهم، ويعِدُون بفحص الشكاوى الإسرائيلية. وحتى عندما تعرقل روسيا تنفيذ صفقات سلاح نوعية، فيتم ذلك وفقاً لحسابات روسية خالصة. كما حدث مع صفقة بيع منظومة الدفاع الجوي، وصورايخ من طراز أس 300 لإيران، فقد تم التوقيع على الصفقة وبعد ذلك جرى تعليقها لسنوات، وبعد أن تم التوصل إلى الاتفاق النووي مع طهران، أعلنت روسيا بأنها ستحترمه. غير أن نتنياهو حرص في زيارته الأخيرة لموسكو، على تأكيد الأهمية الإستراتيجية القصوى لتلك الزيارة من حيث الشكل والمضمون. فاصطحب معه رئيس الأركان، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، ورئيس مجلس الأمن القومي. وفي اللقاء تم تأكيد حقيقة أن إسرائيل غير معنية بالتدخل في الحرب الأهلية في سوريا. 

كما تم وضع الجانب الروسي في صورة جهود طهران الحثيثة، لإنشاء بنية تحتية في الجولان السوري، واتفق الجانبان على تشكيل لجنة برئاسة نائبي بوتين، ونتنياهو للبحث في آلية تنسيق مشتركة لمنع خطر الاصطدام والاحتكاك بين قوات البلدين داخل الأراضي والأجواء السورية. وعلى ما يبدو فإن الزيارة حققت أهدافها، وفقاً لما هو مرسوم إسرائيلياً. حيث تم تدشين خطوط هواتف ساخنة، تربط بين قيادة الطرفين. كما جرى التوصل إلى آلية معينة، وهي الاتفاق على أن طائرات سلاح هذا الطرف، ترسل إشارات تعريف لطائرات سلاح الطرف الثاني وبالعكس. ويرى الخبراء الإسرائيليون بأن نجاح الدولة العبرية في الحصول على موافقة أو على الأقل تفهّم روسي، سواء بشكل صريح أو بصورة صامتة، بشأن ما يُسمّى (DECONFLICTION) أو آليات تنسيق مسبق، ليس هو الهدف الرئيسي لإسرائيل.

ولكن ما يعني إسرائيل في الصميم، هو الاعتراف الروسي، بالمصالح العليا لإسرائيل في سوريا، والتوصل إلى تفاهمات مع روسيا بشأن تقسيم الأجواء السورية إلى مناطق نفوذ ونشاطات عسكرية. وبالتفصيل، لا تتدخل روسيا في المناطق القريبة من الحدود الإسرائيلية ولا في الجولان، ولا تعرقل العمليات في الداخل السوري التي ترى إسرائيل فيها ضرورة للحفاظ على أمنها. وفي المقابل، تتعهّد إسرائيل بعدم الاقتراب من مدينة اللاذقية والشمال السوري ذي الأقلية العلوية، الذي يحظى بحماية ورعاية روسية كبيرة.

بالنسبة للدولة العبرية، لا شيء ينبغي أن يكون جديداً، فيما يتعلّق بحرية سلاح الجو الإسرائيلي بالعمل في سوريا، سواء بعد الأزمة السورية وتدخل إيران وحلفائها المباشر بها أو حتى قبلها، فقد هاجمت الطائرات الإسرائيلية عدة أهداف داخل سوريا في العقد الأخير من بينها المفاعل النووي السوري عام 2007، كم تم اختراق جدار الصوت فوق قصر الرئيس بشار.

كما لا شيء ينبغي أن يكون جديداً، حتى مع نشر روسيا صواريخ س 400، فقد ذكرت القناة الإسرائيلية الثانية، أن سلاح الجو، قصف قاعدة عسكرية تابعة للفرقة 155 التابعة للجيش السوري في القطيفة في ضواحي دمشق، كما تم استهداف شاحنة محملة بالصواريخ البالستية، في رسالة إلى طهران بأن ذلك يحدث بالتنسيق الكامل مع موسكو.

على كل حال فإن إسرائيل تراقب باهتمام بالغ ما يجري في الساحة السورية ومحيطها، وزيادة النفوذ الروسي في سوريا. وقد شغل الكباش بين الروس والأتراك على خلفية إسقاط تركيا للطائرة الروسية، حيزاً واسعاً في الصحافة الإسرائيلية. فيما امتثل المستوى السياسي لتوصيات صارمة من مكتب نتنياهو، بعدم التعليق سلباً أو إيجاباً على هذه الحادثة. ويبدو أن الإعلام العبري قد قرر الانحياز لموسكو ضد أنقره، فقد وصف الرئيس الروسي بأنه عنيد جداً، ولا يتوانى عن رد الصاع صاعين، وهو لا يحب ترك الحسابات مفتوحة، وليس هناك من زعيم قوة عظمى يوحي بشعور لا تستفزوني أكثر من فلاديمير بوتين، وقد ظهر ذلك في الشيشان وجورجيا وأوكرانيا. ويشكك المعلقون الإسرائيليون في إذا ما كان إسقاط الطائرة الروسية أمراً ضرورياً، ويرون ذلك الأمر بأنه نابع بالأساس من التنافس بين زعيمين قويين بوتين وإردوغان -.

فيما يرى المعلق العسكري ألون بن دافيد، بأن التصعيد التركي الأخير ضد روسيا، يعود إلى قلق أنقره من احتمال أن تقود الغارات الروسية إلى إضعاف الأقلية التركمانية، ما سيسمح للميليشيات الكردية بتوسيع رقعة سيطرتها من الشرق إلى الغرب على طول الحدود التركية. وأشار إلى أن السبب الرئيس وراء الإجراءات التركية الميدانية الأخيرة هو الرغبة في إنشاء حزام أمني بعرض 45 كيلومتراً على حدودها، وبهدف منع إنشاء كيان كردي. ويخلص المعلق الإسرائيلي إلى أن التدخل الروسي في الحرب يشوّش الاستراتيجية التركية، حيث لا تعجز أنقره فقط عن إنشاء الحزام الأمني بل إنه يعزز من قوة نظام الرئيس بشار الأسد ويجعل نشوء الكيان الكردي على حدودها خطراً ملموساً يمكن أن يحرّض الأقلية الكردية الكبيرة في تركيا. ولهذا فإن أنقره ترى في كبح الأكراد مصلحة قومية عليا، وهي مستعدة للسير على حافة الهاوية في مواجهة روسيا لمنع تحقيق تسوية في سوريا لا تلبي مصالحها، على حسب قوله.