لا أدري كيف يمر الوقت والسنوات، ولم أصدّق البارحة حين شاركت في مؤتمر عن «القدس»، وفعلاً عندما كنت صغيراً كانت والدتي، أمدّ الله في عمرها، قد وعدتني أنا وشقيقي معين بأن تأخذنا لزيارة مدينة القدس، وكان الاتفاق عندما تنتهي الدروس ومع بداية العطلة الصيفية، وكما يقولون تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، وبينما نحن ننتظر الفرصة لنذهب الى القدس قام العدو الاسرائيلي في ذلك الخامس من حزيران 1967 الاسود بالعدوان على الدول العربية واحتل الجولان السوري، وسيناء المصرية، والضفة الغربية ومدينة القدس أيضاً في فلسطين… وهكذا تبخّر الحلم بالذهاب الى القدس.
المرة الثانية التي لا أنساها هي كانت يوم حضوري عرساً لأحد الأقرباء في الاردن، وكان الاحتفال في البحر الميت، وخلاله قال لي والد العريس: انظر الى ذلك الجبل المقابل لمجلسنا، فهل تشاهد تلك الأضواء في الجبل؟ قلت: نعم، قال: تلك هي القدس! فعلاً لم أتمكن من ضبط نفسي إذ تملكني شعور غريب… شعور المحبة لتلك المدينة المقدسة… والأهم من هذا كله أنك تشعر بالعار لأنّ الصهاينة يحتلون القدس.
أقول هذا الكلام لأنني واحد من ملايين الناس الذين يشعرون بضرورة استرجاع القدس ورفض الاحتلال مهما كانت الأسباب.
وفي منأى عن المشاعر الانسانية والشخصية فإنّ للقدس موقعاً استثنائياً في وجدان العرب المسلمين والمسيحيين، وفي الوجدان الاسلامي والمسيحي عموماً في العالم قاطبة.
فبالنسبة الى المسلمين هي المكان الأقدس بعد مكة المكرّمة والمدينة المنوّرة (…) كما تتجلّى أهميتها في قصة «الإسراء والمعراج» عندما أُسري بالرسول محمد (صلعم) الى القدس فأمّ الصلاة بجميع الرسل والأنبياء ثم عرّج الى السماء السابعة(…).
وبالنسبة الى المسيحيين فإنهم يجلّون هذه المدينة ويعتبرونها مقدّسة، وهي التي كان لها دور محوري في حياة السيدة المسيح وهو الذي طهّر معبد حيرود من الأصنام الرومانية، وفي القدس علّم المسيح، وهو بَعْدُ طفلٌ، العلماء، وهو الذي قال عن هيكل سليمان إنّه سيزول ولن يبقى فيه حجرٌ على حجر… علماً أنّ جدار الهيكل انشق الى نصفين حين فاضت روح السيّد المسيح على الصليب حسب التعاليم المسيحية.
وهذه القِيَم الروحية القدسية كلها لن تسقط ولا بد لها من أن تنتصر على الاحتلال الصهيوني الغاشم، مهما طال الزمن.
وختاماً قد يكون مفيداً التذكير بما قاله الرئيس الراحل المرحوم سليمان فرنجية لوزير خارجية أميركا في حينه هنري كيسنجر الذي التقاه في مطار رياق العسكري عندما سأله كيسنجر: أي من الديانات السماوية الثلاث يجب أن تكون القدس تحت حمايتها؟ فرنجية المسيحي أجاب من دون تردد: الاسلام، وأمام دهشة كيسنجر أضاف فرنجية شارحاً: إنّ اليهودية لا تعترف بأي ديانة سواها، والمسيحية تعترف بالديانة التي تقدمت عليها زمنياً أي اليهودية، اما الاسلام فيعترف بالديانتين المتقدمتين عليه زمنياً اليهودية والمسيحية، لذلك فالإسلام هو المؤهل ليتولّى المسؤولية عن القدس وحمايتها ورعايتها.
عوني الكعكي