عرف الرئيس سعد الحريري كيف يُنقذ سفينته التنظيمية من الأمواج العاتية بأقل الخسائر. في أول تمرين سياسي بعد عودته من الخارج، لم يخلُ من السلبيات، فتحَ الباب أمام الجميع لخوض تجربة «ديمقراطية»، أصرّ فيها على إبراز وجوه جديدة، طارحاً فكرة التغيير كبند أساسي.
هذا العنوان، وإن كان جذاباً للكثير من الشباب الذين عانوا ركوداً طوال فترة غياب الحريري، ظلّ يفتقر إلى قواعد تحقيقه، وفق ما يرى مستقبليون. وهو إن كان قد أتاح غلبة الطابع الشبابي على المكتب السياسي، الذي ظلّ مطعّماً بالطاقم الأول، فإن ذلك يعني أن المكتب يُمكن أن يكون أمام حالة صراع بين جيلين: واحد واقعي يُدرك أن المرحلة لا تحتمل مزايدات ولا مراهنات ولا تجارب، وآخر لم تسلبه هزائم فريقه السياسي فائض الاندفاع، ولا يزال يعيش داخلياً نشوة ساحة الشهداء عام 2005، وكأنها البارحة. وهذه ليست مجرّد تكهنات، بل استناداً إلى الاجتماع التعارفي الأول الذي عقده المكتب السياسي قبل حوالى أسبوعين. لم يتضمّن اللقاء أي سلبية ولا نقاشاً حاداً، لكن الأفكار التي طرحها الشباب، في الشق السياسي، وركّزت على موضوع التعامل مع حزب الله في الحكومة وخارجها، أظهرت للرئيس الحريري والجيل المخضرم سياسياً أنه أمام مهمّة من نوع جديد، ألا وهي «عقلنة أفكار الشباب، وفرملة حماستهم في بعض الأمور»!
أغلب الأعضاء ليسوا من أنصار التنازلات ولا يزالون يعيشون نشوة 14 آذار 2005
ما يربط بين الجيلين كثير يعزّزه إيمانهما بخط الحريرية السياسية رغم كل «السقطات». لكن ما يفرّقهما ليس عرضياً، إذ يبدو جلياً من خلال الاطلاع على قائمة الأسماء المنتخبة والمعيّنة، أن جزءاً كبيراً منها ليس لديه تجربة سياسية تجعله مؤهلاً لإدارة عدد من الملفات، خصوصاً أن المرحلة المقبلة هي مرحلة «قيامة» التيار من جديد. كذلك فإن هذه الأسماء التي تمثّل بنسبة عالية القاعدة المُستقبلية، ليست من مؤيدي المراعاة والتنازلات التي ينتهجها رئيس تيار المستقبل، بل لا تزال مقتنعة بأن «الربيع العربي» انطلق من بيروت إلى المحيط، وأن مقارعة حزب الله يجب أن تكون هدفاً أساسياً، ولا ضير في تنفيذ تحركات ضدّه في الشارع، أو تنظيم تظاهرات على باب السفارة السورية مثلاً! هذه واحدة من الأفكار التي طرحت أمام الحريري، وجعلته يقرأ في عقول أكثرية المكتب الجديد أجندات مجتمع مدني لا لغة حزبية تقليدية، تناسب أقلّه الاستراتيجية التي رسمها لتياره منذ عودته الى البلاد.
قد تكون فوضى الترشيحات إلى المكتب السياسي واحدة من الثغر التي حصلت في الانتخابات الداخلية، لأن بابها فتح من دون ضوابط أو شروط، ما سمح بترشح عدد كبير من أصحاب الخطاب الشعبوي. وكان ذلك بارزاً من خلال مداخلات هؤلاء داخل المؤتمر العام للتيار. وتُعدّ هذه التجربة مغامرة بالمعنى الحقيقي، انضمت إلى «مغامرات» الرئيس الحريري من دون أن تُحسب نهايتها. يعتبرها المستقبليون «متعبة، لكنها لن تحمل أضراراً. فهذه الانتخابات حملت الكثير من الإيجابيات لجهة تجديد دماء التيار، وكانت نقلة مهمّة ونوعية لا يمكن الحكم عليها، وتبقى رهن ما ستحمِله الأيام المقبلة». واحدة من هذه الإيجابيات، أن المكتب السياسي لن يكون «شكلياً ولن يُعاني من بطالة مقنعة». وبالتأكيد «لن يتوقف عن الاجتماع، عكس ما حصل طيلة السنوات الستّ الماضية». يعود ذلك إلى أن قرار انعقاده لم يعُد محصوراً بيد الرئيس الحريري وحده، بل «يمكن لنائب الرئيس أن يدعو إلى اجتماع واحد كل شهر، أو أن يتولى قرار الانعقاد خمسة أعضاء من داخل المكتب».
في الاجتماع الأول، لم يكُن هناك جدول أعمال محدّد. كان مجرّد نقاش مفتوح حول عمل الحكومة والتحالف مع التيار الوطني، والتعامل مع حزب الله في مجلس الوزراء. وتركّز الحديث على «وجود مشكلة مع الحزب ودوره في سوريا، وسلاحه»، ما دفع الحريري الى التأكيد على «فصل الملفات الخارجية عن الملفات الداخلية، قبل الانتقال إلى الخطة الاقتصادية الاجتماعية التي تؤدي الى التغيير السياسي». وبناءً على هذه الخطة، فإن المطلوب من المكتب «تأليف لجان عمل خاصة ومنهجية عمل تحدد عناوين لكل مرحلة». يطرح هذا النقاش سؤالاً عمّا إذا كانت «الضوابط» التي يضعها الحريري ستشكّل خيبة عند الشباب الذي دخل المكتب السياسي بسقف توقعات عال. أما إجابة المستقبليين فتتلخّص بالآتي: «لن يقمع الحريري ولا القدامى داخل المكتب هذه الأفكار، لكن ستتمّ عقلنتها وتنظيمها. فليس بالإمكان مثلاً التظاهر ضد حزب الله في الشارع، ونحن نتشارك معه الحكومة والحوار برعاية الرئيس نبيه برّي»! اليوم سيعقد المكتب السياسي الاجتماع الرسمي الأول له، كما في أول خميس من كل شهر، وعلى جدول أعماله بندان: 1ــ تأكيد مواعيد الانتخابات داخل المنسقيات. 2 ــ درس اقتراح خلوة للمكتب السياسي لوضع تصوّر مشترك حول المهمات المطلوبة منه في الفترة المقبلة.