حصل ما لم يكن الرئيس نبيه بري يتوقعه وهو تحول مجلس النواب الى مجرد بناء اثري، من مجموعة ابنية الوسط التجاري، جراء عدم وجود استعداد نيابي للتشريع، بما في ذلك تشريع الضرورة، حيث ليس من ضرورة اهم من الانتخابات الرئاسية، لاسيما ان ما تردد عن ضرورة التشريع في مجال الانتخابات النيابية وسلسلة الرتب والرواتب والموازنة العامة لا يرفى الى اهمية رئاسة الجمهورية، بدليل انعكاس الفراغ في الرئاسة الاولى على معنى ومبنى السلطة التشريعية كما على معنى ومبنى الحكومة التي تحولت الى مجرد لعبة وزارية ناشطة في مجال «الخواء السياسي» ليس الا (…)
لا يختلف اثنان على ان الرئيس نبيه بري قد اخطأ في نظرته الى الدستور اللبناني عندما حدد ثلثي عدد النواب زائدا واحدا لاجراء الانتخابات الرئاسية، فيما يجمع نواب الطائف على ان الجلسة الاولى فقط تحتاج الى ما اقترحه رئيس المجلس، وهي الجلسة التي انعقدت من غير ان يؤخذ بها، لاعتبارات يقول عنها نواب ان الرئيس بري اراد من خلالها تأكيد قدرته على التحكم بمن سيكون رئيسا للجمهورية ما اوصله واوصل البلد الى تفريغ المؤسسات من جدواها، والادلة واضحة في هذا الصدد!
هل يمكن للرئيس نبيه بري التراجع عن خطأه، ام انه سيركب رأسه كما تؤكد مصادره التي تنسجم معه في نظرته الى موضوع الرئاسة الاولى، بدليل اللف والدوران السائدين الوضع النيابي العام، وبدليل الهروب الى الامام، والى ما يتردد عن تشريع الضرورة، كأن الموازنة اهم من رئاسة الجمهورية، ام ان السلسلة في موازاة الرئاسة الاولى الى حد القول ايضا، ان «الرئيس بري قد ضرب من بيت ابيه»، جراء المقاطعة المسيحية التي لم يكن ينتظرها الا من جانب حزب القوات اللبنانية، لكنها انتهت الى حزب الكتائب والى التيار الوطني الحر بزعامة العماد المقاعد ميشال عون الذين جر معه نواب حزب الله الذين يلعبون اللعبة التي يرسمها لهم الجنرال!
والمهم في هذا السياق، ان المجلس مكبل امام ما هو مطالب به لجهة انتخابات رئاسة الجمهورية، فيما هو مطالب بتشريع الضرورة التي تعني كل شيء باستثناء الرئاسة الاولى، فضلا عن ان تشريع الضرورة لا يمكن ان يستمر الى الابد، وهو ما على الرئيس بري ان يدركه طال زمن المراوحة السياسية ام قصر لا فرق، خصوصا انه لا بد من ان تكون نهاية للموازنة والسلسلة وقانون الانتخاب، ومن بعد ذلك سيكون كلام متكرر عن جدوى الرئاسة الاولى او لن تكون جدوى من البقية الباقية من مؤسسات الدولة الاخرى، وهذا ما على الرئيس بري ان يدركه قبل فوات الاوان؟!
الذين ليسوا مع وجهة نظر الرئيس بري اقل ممن هم ضده لكن المسايرة السياسية هي التي تحكم الحال السائدة كي لا يقال ان رئيس مجلس النواب على خطأ في وجهة نظره وفي تصرفه (…) وفي تمسكه برأيه عندما سار بفكرة الثلثين زائدا واحدا، وهو لا بد قد شعر بخطأه والا لما تأخر لحظة عن تغيير اجتهاده الدستور وكي لا يقال عنه انه كان على خطأ منذ شهور تكاد تصل الى زهاء سنة من لحظة حصول الفراغ الرئاسي الذي ادى تلقائيا الى فراغ في مجلس النواب بما في ذلك الانعكاس على الحكومة المرشحة لان يفرط عقدها على مدار الساعة جراء التجاذب السائد فيها (…)
الشيء الجديد والمبتكر الذي طلع به الرئيس بري فهو اقالة او استقالة مجلس النواب، وهكذا نكتة لا محل لها في النظام وفي الدستور، حيث لا سابق لمثلها في حياتنا السياسية، الا اذا قصد دولته تخويف النواب من قانون لا مجال للعمل بموجبه، الا في حال استقالة الاكثرية النيابية، وهذا ليس بوسع رئيس المجلس الاقدام عليه، لاسيما ان لا سلطة تنفيذية في البلد قادرة على تأمين اجراء الانتخابات، اضافة الى ان لا مجلس نيابيا في البلد قادرا على السير في خطوة في المجهول والا لكان عملها الرئيس بري من لحظة شعوره بانه اخطأ في عدم اجراء الانتخابات الرئاسية وهيهات ان يعود الى استيعاب خطأه ويقبل باجراء الانتخابات بالنصف زائدا واحدا وعندها سيجد الجميع الى صفه؟!
الى هنا ليس بوسع احد التنبؤ بما سيكون عليه مستقبل مجلس النواب، لا بالنسبة الى تشريع الضرورة او ضرورة التشريع بعدما تحول المجلس الى حال نيابية نافرة من الصعب بل من المستحيل القبول بها ان لجهة التشريع او لاية جهة اخرى، ما يسمح بالقول ان «جناب مجلس النواب قد انتهى الى غير رجعة» ومن لا يصدق هذا الكلام ان يلجأ الى اقرب بصارة عله يجد حلا في الافق، بل اللا حل لانه اقرب مثالا من كل ما عداه.
من هنا يبدو مجلس النواب في حال غثيان تمكنه من ان يراجع ما في مضمونه من سياسة عقيمة، على امل ان يعود الى نومة اهل الكهف!