Site icon IMLebanon

رواية «بيت الوسط»: هكذا يحسبها الحريري

 

لم يُنهِ «بيان العزوف» الذي صدر عن الرئيس سعد الحريري عقدة التكليف والتأليف، بل فتح باباً جديداً على مزيد من التأويل والاجتهاد في تفسير حقيقة نيات رئيس الحكومة المستقيل، وسط سعي مستمر من الرئيس ميشال عون والثنائي الشيعي الى إشراكه في معادلة الحكومة المقبلة، سواء مباشرة بحضوره الشخصي أو غير مباشرة من خلال «طيفه السياسي».

يستمر الحريري من جهته في التحصّن خلف «ساتر» شروطه التفاوضية التي يحاول بواسطتها تأمين العودة المدروسة او الخروج الآمن، علماً انّ هناك انطباعاً لدى البعض، ومن بينهم خصوم له، أنها إحدى المرات القليلة التي يُجيد فيها الحريري خوض معركة سياسية بمعايير مصلحته، بدءاً من لحظة الاستقالة المباغتة التي أربكت شركاءه في السلطة، وصولاً الى «التكتيكات» اللاحقة.

 

ويقول المطلعون على تفاصيل موقف الحريري انّ المشكلة الحقيقية، منذ اللحظة الاولى التي تَلت استقالته، تكمن في إصرار كل من رئيس الجمهورية ميشال عون وفريق «التيار الحر» و»حزب الله» وحركة «أمل»، على عدم مباشرة الاستشارات النيابية قبل تحديد اسم الرئيس المكلف وطبيعة الحكومة المقبلة.

 

ووفق هؤلاء، جرى الترويج المُمنهج من قبل قصر بعبدا والثنائي الشيعي خلال الاسابيع الماضية بأنّ سبب التأخير في تشكيل الحكومة يعود الى حيرة الحريري وتردده في حسم قراره، «في حين أنّ موقفه كان واضحاً جداً وقوامه انه مستعد لترؤس حكومة اختصاصيين بصلاحيات استثنائية لفترة 6 أشهر، وانه إذا أصَرّ الطرف الآخر على خيار التكنو- سياسية فعليه أن يتحمّل مسؤوليته ويختار للتكليف شخصية أخرى غير الحريري، لأنّ الرجل ليس مقتنعاً بجدوى مثل هذا الخيار في مواجهة الازمة الاقتصادية – المالية المستفحلة».

 

وعلى الرغم من انّ موقف الحريري لم يكن رمادياً في اي لحظة، كما يؤكد القريبون من «بيت الوسط»، «إلّا أنه قرر، حسماً للنقاش ومنعاً لأي التباس متعمّد، أن يصدر بياناً رسمياً وصريحاً يعلن فيه بوضوح عدم ترشحه الى رئاسة الحكومة، داعياً الى اختيار أحد سواه لترؤسها، ومع ذلك استمرت بعض الاصوات في اتهامه بالمناورة السياسية وبحرق الاسماء المتداولة لخلافته في السراي».

 

والمفارقة الغريبة، تبعاً لزوار «بيت الوسط»، «انّ الجهة الأخرى كانت، وربما لا تزال، تتمنى بقاء الحريري لمعرفتها بـ»القيمة المضافة» التي يحملها اسمه على الصعيدين الداخلي والخارجي في مواجهة الظروف الصعبة التي يعانيها لبنان، لكنها في الوقت نفسه تكيل له كل أنواع الاتهامات وتريده شريكاً مكبّل الدور والصلاحيات، بمعنى انهم يحاولون تجديد «الزواج السياسي» مع الحريري، إنما من دون ان يكونوا قادرين على دفع مهره الذي كان من الطبيعي ان يرتفع بعد انتفاضة 17 تشرين الاول».

 

ويلفت هؤلاء الى ان تجربة الحريري مع الحكومة التكنو- سياسية المستقيلة هي سيئة جداً، «كونه عانى كثيراً من التجاذبات والنزاعات التي سادت بين أطرافها وأدت الى إضعاف انتاجيتها وتعطيل كثير من القرارات والمشاريع الحيوية، وهذا ما يدفعه حالياً الى الاصرار على عدم تكرار هذه التجربة الفاشلة»، منبّهين الى ان «إعادة انتاج التركيبة الحكومية المَشكو منها سيؤدي تلقائياً الى إفراز النتائج نفسها، ما يقود الى التساؤل عن الجدوى من استنساخ توليفة مستهلكة ومتهالكة أثبتت عجزها وهزالها».

 

 

وانطلاقاً من هذه المعادلة، يعتبر الحريري ان حكومة التكنوقراط المحصنة بصلاحيات استثنائية هي البديل الافضل والأجدى ضمن مرحلة انتقالية تمتد لـ6 أشهر تقريباً، وذلك على قاعدة انّ لجم الايقاع المتسارع للازمة يتطلّب صيغة حكومية مزوّدة «محرك فيراري»، حتى تكون قادرة على اختصار المراحل وكسب الوقت، لعلها تتمكن من تحقيق الانقاذ وتفادي الانهيار قبل فوات الأوان.

 

ومع انّ حلم الصلاحيات الاستثنائية صعب المنال والتحقق، في ظل توازنات ما بعد اتفاق الطائف ووجود الرئيس نبيه بري على رأس السلطة التشريعية، إلّا انّ أحد المحيطين بالحريري يلفت الى انّ أهم القوانين في تاريخ لبنان صدرت بموجب مراسيم اشتراعية أقرّتها حكومات تكنوقراط.

 

ولا يخفي صاحب هذا الرأي، ضمن الدائرة المحيطة بالحريري، حماسة رئيس تيار «المستقبل» لإجراء انتخابات نيابية مبكرة تحاكي التحولات الكبرى التي طرأت على المزاج الشعبي بعد 17 تشرين الاول، موضحاً انّ هذا الهدف يجب ان يُدرج في جدول اعمال اي حكومة مقبلة، ولاسيما إذا كانت برئاسة الحريري.

 

وخلافاً للاتهام الموجّه الى الحريري بأنه يتعمّد حرق البدائل التي تُطرح لتولّي رئاسة الحكومة، حتى يعود اليها بشروطه، يؤكد القريبون من كواليس «بيت الوسط» انّ الوزير جبران باسيل هو مصدر تسريب الاسماء، ومن ثم المتسبّب بنسفها الواحد تلو الآخر.

 

ويشير زوار «بيت الوسط» الى انّ «الفريق الآخر يملك الاكثرية النيابية، وهو يستطيع ان يسمّي الرئيس المكلف ويمنحه الثقة بمعزل عن التوافق مع الحريري أو عدمه، فلماذا يستمرون في التلطّي خلفه والتهرب من تحمّل مسؤوليتهم بالدعوة الى الاستشارات الملزمة واختيار رئيس الحكومة المقبل. اما إذا كانوا مقتنعين بأنهم لا يمكنهم وحدهم كسب ثقة الحراك والاقتصاد والمجتمع الدولي وبأنه من الصعب الاستغناء عن عباءة الحريري في هذه المرحلة، فما عليهم سوى التجاوب مع الوصفة التي اقترحها للمعالجة، بدل أن يواظبوا على طلب الشيء ونقيضه».

 

ويتوقف الحريريون عند تمسّك الفريق الآخر بالحصول على تغطية رئيس «المستقبل» ودعمه لأي شخصية بديلة منه في رئاسة الحكومة، متسائلين: كيف يصح ان يطلب البعض من سعد الحريري ان يمنح التغطية السياسية والشخصية المسبقة الى رئيس حكومة تكنو- سياسية وان يتحمل تبعات هذا الاختيار، في حين أنه شخصياً يعارض مبدأ تشكيل حكومة من هذا النوع، لاقتناعه بأنها لا تساهم في حل الازمة الحالية ولا تلبّي تطلعات الناس المنتفضين. وبالتالي، فإنّ الحريري لن يدعم اي اسم آخر إلا إذا تناغم مع مقاربته لمعالجة المأزق الراهن».

 

ويختصر الحريريون المشهد الحالي بالتشبيه الآتي: «يدفع عون والثنائي الشيعي في اتجاه الاكتفاء بحفلة «بوليش» لتلميع الهيكل الخارجي لسيارة يتآكلها الهريان والصدأ، بينما يريد الحريري إخضاعها لورشة «حدادة وبويا» تعيد تأهيلها للسير بأمان وتسمح لها بأن تربح السباق مع شبح الانهيار».

ويضيفون: لقد آن الأوان كي يحسم الطرف الآخر أمره بعدما أصبحت الكرة بكاملها في ملعبه، وبات عليه ان يقرر في أي اتجاه سيسددها.