Site icon IMLebanon

الحسيني: الرئيسان مُلزمان مهلاً مقيِّدة

 

 

في كل مرة تستقيل حكومة تشكو البلاد من ازمة دستورية مزدوجة ومتلازمة: اجراء استشارات نيابية ملزمة وتأليف حكومة جديدة. ما تنص عليه المادة 53 عنهما واضحة وصريحة. يوماً بعد آخر تفرّخ اعراف تحيل تطبيق المادة تلك مشكلة عويصة

 

ليس سرّاً ان تطبيق المادة 53 في الدستور، في الحقبة السورية، كان اسهل الخيارات لسبب وحيد، هو ان دمشق تقرر مَن يكون رئيس الحكومة، وترسل اليه لائحتها الجديدة ما خلا بضع خانات قليلة فارغة، يملأها رئيس الجمهورية او الرئيس المكلف بأسماء مرشحيهما. لم يتعدَّ وزراء هذا وذاك مرة الثلث +1. لا ترضى بهم دمشق الا لأنها تعرفهم او تطمئن اليهم. ليس اكثر ولا اقل.

 

على مر الحكومات المتعاقبة بين عامي 1989 و2004، كانت ارقام المواعيد سهلة القراءة: المدّة الاقصر ما بين تكليف رئيس للحكومة وتأليف الحكومة الجديدة يومان مع حكومة الرئيس رفيق الحريري عام 2003، والمدّة الاطول له ايضاً وهي 14 يوماً في حكومة 1996. بينهما ترجحت الارقام ما بين 3 ايام و9 ايام. اما تكليف الخلف حينذاك، فلا يتأخر حصوله اكثر من ثلاثة ايام ما ان يستقيل السلف. منذ اتفاق الدوحة عام 2008، لم يعد الامر كذلك. انتقل قرار التكليف والتأليف برمته الى الافرقاء اللبنانيين وحدهم، فأخفقوا تدريجاً في احترام المادة 53 التي لم تحظَ في الاصل باحترام السوريين الا في الظاهر. لأنهم ارادوا دائماً النصاب الموصوف في الحكومة، اياً يكن رئيسها، احالوا المادة 53 عربة توصلهم الى ذلك النصاب.

بعد اتفاق الدوحة الذي طوى فعلياً اتفاق الطائف ودفنه ربما، اضحت المادة الدستورية سبباً لأزمة نظام تتكرّر استحقاقاً بعد آخر، من جراء الاعراف التي راحت تحوط بتطبيقها. بعد اعتبار الرئيس المكلف ان لا مهلة مقيِّدة له لتأليف الحكومة، صار لرئيس الجمهورية ان يقول ان لا مهلة مقيِّدة له للدعوة الى الاستشارات النيابية الملزمة. بذلك تساويا في استخدام فيتو سلبي لكليهما، يتيح لصلاحية كل منهما ان تكون عصا في وجه الآخر. اتى هذان العُرفان كي يُضافا الى تلك المنبثقة من اتفاق الدوحة، غير المتفق عليها في وثيقة الطائف وغير الواردة في متن الدستور المنبثق منها: النصاب المعطل، تقاسم الحقائب وتوزيعها على الافرقاء على نحو يحيلها ملكاً للحزب او التيار الذي يحوزها واحياناً تصير ملك طائفته، اختيار اسماء الوزراء في معزل عن رئيس الجمهورية والرئيس المكلف. يحدث ذلك باسم المادة 53، فيما الواقع يتكرّر باسم الاعراف الناشئة عن اتفاق الدوحة.

في حكومة 2020، أخّر رئيس الجمهورية الدعوة الى استشارات نيابية ملزمة 50 يوماً. هو الموعد الرابع بعدما كان حدّد موعداً اول في 9 كانون الاول، ثم موعداً ثانياً في 16 كانون الاول، ثم موعداً ثالثاً في 19 كانون الاول بناء على طلب الرئيس سعد الحريري بسبب افتقاره الى اصوات المسيحيين. قبل عون فعل سلفه الرئيس ميشال سليمان الامر نفسه مع حكومة 2011، بمدّة اقل، لكنه انشأ السابقة: ارجأ استشارات نيابية ملزمة اسبوعاً بعدما حدّد موعدها في 17 كانون الثاني ثم صار في 24 كانون الثاني بذريعة «تأمين المصلحة الوطنية». ما بين سليمان وعون اضحت مدّة الدعوة الى الاستشارات الملزمة مفتوحة، وصلاحية دستورية بين يدي رئيس الجمهورية يجبه بها حجة الرئيس المكلف ان لا مهلة ملزمة له لتأليف الحكومة. بذلك بدت هاتان الصلاحيتان ملك طائفتي الرئيسين لا تُمس.

لم يكن الامر كذلك ابان الولايتين الطويلتين للرئيسين الياس هراوي واميل لحود. كلاهما حكم في ظل الحقبة السورية كحليفين قويين لها، ما اتاح لكل منهما الاجتهاد اكثر من مرة في لعبتي التكليف والتأليف، كما في لعبة التواطؤ لاسقاط الحكومة: الاول اسقط حكومة الرئيس عمر كرامي عام 1992 كي يخلفه الحريري الاب، والثاني اسقط تكليف الحريري الاب مرتين عامي 1998 و2004 كي يخلفه الرئيس سليم الحص وكرامي. مع ذلك لم يستنبطا اعرافاً غير مسبوقة.

ما يواجهه تأخير الاستشارات النيابية الملزمة اليوم، سيُرَد عليه – ما ان يحصل التكليف – بتأخير تأليف الحكومة الى ان يستقر الرئيس المكلف مع الافرقاء المعنيين – الشركاء الفعليين في التأليف منذ اتفاق الدوحة – على تقاسم الحصص. كان يحصل ذلك في حكومة الوحدة الوطنية (2008 و2009 و2014 و2016 و2019)، وحكومة الفريق الواحد سياسيين او تكنوقراط (2011 و2020).

عندما يُسأل الرئيس حسين الحسيني عن عُرف المدد المفتوحة لكلي رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، يجيب ان اتفاق الطائف قيَّدهما بمهل لا يسع اياً منهما الخروج عليها: على رئيس الجمهورية فور استقالة الحكومة المبادرة الى الدعوة الى استشارات نيابية ملزمة لتسمية الرئيس المكلف الذي يقتضي به تأليف الحكومة في اربعة اسابيع او يعتذر.

يقول الحسيني ان هذين البندين نوقشا في مداولات الطائف عام 1989، استناداً الى وثيقة اصلاحات اعدّها هو والبطريرك الماروني الراحل مارنصرالله بطرس صفير في بضع جولات حوار بينهما، بدأت في روما عام 1987، واستكملت حتى عام 1989 على جولات في الديمان. لهذه الوثيقة ثلاث نسخ: اولى احتفظ بها الحسيني، وثانية صفير، وثالثة الرئيس حافظ الاسد الذي كان يطلع على تطورات صيغتها يوماً بيوم الى ان وافق عليها.

في ما تضمّنته الورقة تلك، وناقشها البرلمانيون في الطائف، في الفقرة هاء في باب تشكيل الحكومة:

«1 – يجري رئيس الجمهورية استشارات نيابية ملزمة في حضور رئيس مجلس النواب، ويصدر في نتيجتها كتاباً يسمي فيه رئيس الحكومة المكلف.

2 – يجري رئيس الحكومة المكلف استشاراته لتشكيل الحكومة خلال مهلة اربعة اسابيع من تاريخ تكليفه.

3 – في حال اعتذار الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، يعمد رئيس الجمهورية الى استشارات جديدة وفقاً لما ورد في البند (1) اعلاه.

4 – تصدر مراسيم تشكيل الحكومة بالاتفاق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.

5 – في حال عدم اصدار مراسيم تشكيل الحكومة بعد انقضاء مهلتي التكليف، ينعقد مجلس النواب من دون تأخير بدعوة من رئيسه، فينتخب رئيساً للحكومة يقوم بتشكيلها في مهلة اسبوعين:

أ – يتقدم الى مجلس النواب بخطة عمل الحكومة، وتعتبر ثقة المجلس بالحكومة كافية بنسبة 55% من مجموع الاعضاء المؤلف منهم مجلس النواب.

ب – في حال اعتذار الرئيس المنتخب او عدم قدرته على تشكيل الحكومة، او عدم نيلها ثقة مجلس النواب، يبادر المجلس مجدّداً الى انتخاب رئيس للحكومة يقوم بتشكيلها وفقاً لما تقدّم».

عندما طُرح هذا الجزء من وثيقة الاصلاحات – يروي الحسيني – اعترض النائب بطرس حرب على حضور رئيس المجلس الاستشارات النيابية الملزمة، وعدّها سوء ائتمان لرئيس الجمهورية او قلة ثقة، فصُوِّب النص بأن يُطلع رئيس الجمهورية رئيس المجلس على نتائج الاستشارات تلك بعد حصولها. وهو ما اوردته المادة 53.

 

الحسيني: وضعنا آلية تأليف الحكومة بمهلة مقيِّدة وفق قاعدة الطلاق عند المسلمين

 

 

عندما طُرحت مهلة الاربعة الاسابيع للتأليف، قوبلت ايضاً باعتراضات زعماء السنّة من بين النواب، ولم يكن الحريري بعيداً منهم في غرفة مجاورة لقاعة المؤتمر، خصوصاً بعد مناقشة صلاحيات نائب رئيس الحكومة. ارتؤي عندئذ وضع الآلية المقيِّدة لتأليف الحكومة في نظام اعمال مجلس الوزراء عندما يصير لاحقاً الى اعداده، خصوصاً ان صلاحيات نائب رئيس مجلس النواب منصوص عليها في النظام الداخلي لمجلس النواب، ما يقتضي وضع صلاحيات نائب رئيس الحكومة في نظام داخلي لمجلس الوزراء.

وفق الرئيس السابق للبرلمان، لم تسقط في مداولات الطائف المهلة المقيِّدة للرئيس المكلف، واتفق على ابقائها مهلة اربعة اسابيع تبعاً للآلية التي يقول الحسيني انها مستمدّة من قاعدة الطلاق عند المسلمين: بعد ان يُطلق الزوج ثلاث مرات، لا يسترجع زوجته الا بعد زواجها من آخر.

على نحو مطابق، يُسمّي رئيس الجمهورية الرئيس المكلف – المقيَّد بمهلة – مرتين، فاذا اخفق انتقلت الصلاحية الى زوج آخر هو مجلس النواب.