“ما في بيوت للإيجار”، تتردّد هذه العبارة على لسان شريحة كبيرة من اللبنانيين تعيش تحت تهديد فعلي لحقّها في السكن. إلى أين تذهب الطبقة الفقيرة فيما رواتب أبنائها لا تساوي ربع قسط القرض السكني أو بدل إيجار شقة في مناطق شعبية كانت مخصّصة لهم؟
منذ بدء الأزمة الاقتصادية، وتدهور قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار الأميركي، بدأت تظهر ملامح أزمة السكن. فقد ارتفعت بدلات إيجار الشقق تدريجياً من دون حسيب أو رقيب، وازدادت حوادث الإخلاءات القسرية ضاربة عرضَ الحائط بعقود الإيجار المبرمة، فيما فضّل كثيرون من أصحاب البيوت عدم تأجيرها، باعتبار أن تركها فارغة أفضل من تأجيرها “بتراب المصاري” ولقاء مبالغ لا تكفي لتصليحها وترميمها.
«دولرة» الإيجار
بعد عامين من الفوضى في تسعير بدل الإيجار، اتفق أصحاب البيوت مطلع العام الجاري على “الدولرة”. بعضهم قرّر استيفاء مستحقاته بالليرة على سعر صرف الدولار الأميركي، والبعض الآخر اشترط الاستيفاء “بالفريش” دولار. أكثر من ذلك، “وضعوا شروطاً غير منطقية للتأجير”، كما يقول حسين بزي الذي يبحث منذ أشهر عن شقة للإيجار كي يتزوج. اشترى جميع الكهربائيّات قبل أن ترتفع قيمة الدولار الجمركي، و”زيجته اليوم مرهونة بإيجاد منزل”، علماً أنه يتقاضى راتباً جيداً بالدولار، لكن “أسعار الشقق خيالية والشروط التي يحدّدها المؤجّرون صادمة”. يشرح: “يطلبون تسديد بدلات مسبقة عن سنة، وفي حين لا توجد شقة أقل من 300 دولار، يشترطون بذلك تأمين ما لا يقل عن ثلاثة آلاف و600 دولار سلفاً. أما دون ذلك، فيكون البيت غير مؤهّل للسكن ويرمي المؤجّر على عاتقك مهامّ الترميم والصيانة، أو يطلب مبلغاً يتجاوز الـ400 دولار للتأمين ضد أي عطل قد يطرأ بعد مغادرتك”.
توجّه نحو دمج أكثر من عائلة في بيت واحد لتقاسم بدل الإيجار
صحيح أن أزمة السكن تقف عقبة أمام تحديد مواعيد الزفاف وتؤثر على الحق في الزواج وتكوين أسرة، لكنّ الخطورة تكمن في عجز عائلات عن الاستمرار في دفع بدلات الإيجار، الأمر الذي يهدّد بالطرد من البيت، وربما البقاء في الشارع، ذلك أن “بدل إيجار أرخص شقة مكوّنة من غرفتين وتقع في أحزمة البؤس يساوي 100 دولار، وتُراوح بدلات إيجار الشقق في المناطق الشعبية في بيروت وضواحيها بين الـ200 و400 دولار”، كما يقول صاحب مكتب بيع وتأجير العقارات عمر كنعان. هذه الأسعار “النارية”، كما يصفها، بالإضافة إلى “زيادة الطلب على شقق في العاصمة مقابل تراجع الحركة العمرانية فيها دفعته إلى نقل مكتبه من بيروت إلى عرمون، حيث “متوسط إيجار الشقة يبلغ حوالي 100 دولار”. ويلفت إلى أن السماسرة يؤدون دوراً سلبياً في أزمة السكن، “فيحرّضون أصحاب الشقق على رفع بدل الإيجار لزيادة هامش ربحهم”.
دمج العائلات
يعجز البعض عن الاستمرار في دفع بدلات إيجار تكاد تفوق في كثير من الأحيان رواتبهم المتآكلة. هناك من انتقل إلى منزله أو منزل العائلة في القرية، وهناك من “لجأ” إلى منزل ذويه. تتعجّب إحدى العاملات في جمعية خيرية من “الحالة المؤسفة التي وصل إليها الناس في مختلف المناطق اللبنانية”. أثناء تعبئة استمارات الحصول على مساعدات غذائية، وبعد التدقيق في صحة البيانات، تبيّن “دمج العائلات في بيوت صغيرة لتوفير بدل الإيجار”. وتروي: “في صحراء الشوفيات تقطن سيدة مع عائلتَي ولديها، لكلّ واحد منهما أربعة أطفال يعيشون جميعاً في ثلاث غرف ويتقاسمون أجرة السكن. وفي الأوزاعي، انتقل عسكري في الجيش من منزله إلى منزل ذوي زوجته بعدما ارتفع بدل أجرة منزله من 300 ألف إلى المليون ليرة، وراتبه الشهري يبلغ مليوناً و200 ألف”.