مصر أم الدنيا، مصر بلد الأبطال، مصر نصف العالم العربي…
لا شك في أنّ الشعب المصري هو شعب عظيم شعب يحب الحياة كما يحب العمل.
شعب أغلبيته متواضعة وأقليته فرعونية…
كيف لا يكون شعب مصر عظيماً وهو الذي أنتج الزعيم الخالد جمال عبد الناصر محبوب الجماهير أحبته الشعوب العربية من دون أن تعرفه… أيامه لم يكن هناك تلفزيونات ووسائط تواصل إجتماعي وإعلام إلكتروني… أحبته الجماهير عندما كانت تستمع بالملايين، الى خطاباته من الراديو.
وهنا لا بد لنا من أن نعترف بأنّ الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي يثبت، يوماً بعد يوم، أنّه أيضاً أحد أهم الرؤساء في تاريخ مصر.
كيف لا نحترم الشعب والرؤساء المصريين ونذكر عندما بدأت الثورة لم يتدخل الجيش المصري ولم ينفذ أي عملية قمع ضد الثوار… وقف الجيش يراقب وكانت الجماهير بالملايين تملأ الساحات، خصوصاً ميدان التحرير.
الجيش كان منتشراً في العاصمة العظيمة الحبيبة القاهرة والشعب يحوط الدبابات وحول الجيش الذي بقي صامداً يحمي التظاهرات.
كيف لنا ألاّ نحترم شعباً كسر القاعدة المعهودة في العالم العربي ألاّ وهي أن الرئيس إما أن يكون في سدة الرئاسة وإما يكون في القبر.
الشعب المصري أثبت أنه يملك حضارة عمرها آلاف السنين، وكان يوجد رئيسان في السجن هما المغفور له الرئيس حسني مبارك والرئيس محمد مرسي، بينما كان الرئيس السيسي في القصر.
ولا بد أن نتحدث عن الرئيس المغفور له حسني مبارك الذي توفاه الله أمس والذي كان لي الحظ أن ألتقي به عام ١٩٧٣ في القاهرة مرات عديدة، إذ كنت مع الرئيس السوري المرحوم حافظ الأسد في زياراته المتعددة الى القاهرة والاجتماعات الطويلة التي كان يعقدها مع المغفور له الرئيس محمد أنور السادات.
في إحدى تلك الرحلات ذهبت مع الرئيس حافظ الأسد الى القاهرة ومن القاهرة توجه هو والسادات الى السودان حيث عقدا اجتماعاً مع المرحوم الرئيس جعفر النميري وتم في تلك الرحلة إعلان الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والسودان، وفي اليوم الثاني عدنا الى القاهرة.
وفي مطار القاهرة عقد الرئيس السادات مؤتمراً صحافياً وفي طبيعة الحال زملاؤنا الصحافيون المصريون لم يتركوا مجالاً للصحافيين السوريين ليطرحوا الأسئلة… ما دفع بالرئيس السادات الى القول باللهجة المصرية المحببة: الله مالهم الصحافيين السوريين ما بيتكلموا… فأجبت أنا بجرأة يا سيادة الرئيس عفواً… ان اخواننا المصريين لا يتركون لسواهم مجالاً.
وأذكر انني طرحت سؤالين عن لبنان: الاول هو حول معاهدة «الدفاع العربي المشترك» والإعتداءات التي تقوم بها إسرائيل على جنوب لبنان ولا يتدخل أي جيش عربي للدفاع عن لبنان.
والسؤال الثاني كان: لماذا يختلف الرئيس المصري السادات مع الروس؟ وكيف سيحصل على السلاح ومن أين؟ في وقت يضطر الرئيس الأسد أن يسعى للمصالحة بين الروس والرئيس السادات…
وفي الطائرة، وفي طريق العودة الى دمشق طلبني الرئيس الأسد وقال لي: سألني الرئيس السادات عنك وهل أنت شيوعي، فأجبته على الفور (وهنا الكلام للرئيس الأسد): هذا والده ناصري أي مع عبد الناصر، وبالنسبة لي فإنه يفتخر ويعتز بي وأنا أعتبره مثل أولادي.
قد أكون قد أطلت الكلام ولكن لا بد من أن أذكر هنا أيضاً أنه في جميع تلك الرحلات الى القاهرة مع الرئيس الأسد كان الرئيس المرحوم حسني مبارك ملازماً للوفد السوري الى القاهرة طوال زمن إقامته فيها، وكان يجلس مع العماد ناجي جميل قائد سلاح الطيران السوري، وكانت تربطهما علاقات زمالة وصداقة قديمة… وفي كل مرة أكون مع الرئيس الأسد أرى أن أول الحاضرين الى قصر عابدين كان الرئيس مبارك وآخر الذين يتركون القصر في أواخر الليل الرئيس مبارك أيضاً.
في وداع الرئيس حسني مبارك نذكر أيضاً أنه كان يعالج في ألمانيا من مرض عضال وبدأت الثورة فعاد الى القاهرة لفترة ثم سافر الى الإمارات، وكان يطلب منه معاونه أن يهرب رفض وقال أنا نظيف ولا أخاف إلاّ من ربّي وأريد أن أموت في مصر.
وفي وداعه نذكر له إنجازات عديدة نشير منها الى الآتي:
شبكة مترو أنفاق القاهرة والجيزة، وتطوير مطار القاهرة الدولي ليصبح أفضل مطار في أفريقيا، ومستشفى سرطان الأطفال وهو الأكبر في العالم، وجسر مبارك للسلام أعلى جسر في الشرق الأوسط، والقرية الفرعونية، والشركة المصرية لصناعة المواسير، وبناء دار الأوبرا، واستصلاح أكثر من ٣ ملايين فدان، وتطوير ميناء الإسكندرية، والسيادة الكاملة على سيناء، والمكتبة المركزية لجامعة القاهرة، وبناء مكتبة الاسكندرية الأكبر في أفريقيا والشرق الأوسط، وإسكان مبارك للشباب، كبري ٦ أكتوبر، وإحياء القمم العربية، وإنشاء محاكم الأسرة، إقرار حق الخلع للمرأة المصرية (الخ… الكثير).