Site icon IMLebanon

مصر تُودّع مَن ناصَر “ثورة الأرز”… ورحل بثورتها

 

رحل الرئيس المصري حسني مبارك بعدما حكم مصر 30 عاماً، في حين انقسمت الآراء حول دوره في المرحلة الماضية إن كان في الشقّ المصري الداخلي أو بالنسبة إلى لبنان.

 

ليست العلاقات اللبنانية – المصرية وليدة الساعة، إذ إنها تعود إلى زمن ما بعد الإستقلال لأن مصر ولبنان من الدول المؤسسة لجامعة الدول العربية.

 

وشهدت العلاقات بين البلدين فترات مدّ وجزر، وكان الإنفجار الكبير بعد وصول الرئيس جمال عبد الناصر إلى سدّة الحكم العام 1956 ومن ثمّ إعلان الوحدة بين مصر وسوريا برئاسة عبد الناصر العام 1958، وقيام الثورة المدعومة من عبد الناصر ضدّ الرئيس كميل شمعون الذي كان عهده رمزاً للإزدهار، عكس أيامنا هذه.

 

وتطورت العلاقات بين لبنان ومصر أثناء حكم الرئيس فؤاد شهاب بعد لقاء الخيمة الشهير بين شهاب وعبد الناصر على الحدود اللبنانية – السورية، من ثمّ لعبت مصر دوراً كبيراً في توقيع “إتفاق القاهرة” العام 1969 بعدما استباح العمل الفدائي الفلسطيني السيادة اللبنانية.

 

مرت مصر بتجارب عدّة بعد رحيل عبد الناصر ولعل أبرزها توقيع اتفاق السلام مع إسرائيل من ثمّ إغتيال الرئيس أنور السادات ووصول مبارك إلى الحكم العام 1981.

 

ويؤكّد المتابعون لملف العلاقات بين البلدين، أن أموراً كثيرة تبدّلت، ولعل أبرزها تفرّد الولايات المتحدة الأميركية بحكم العالم وانتهاء الحرب الباردة، وصعود الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية، ودخول الرئيس رفيق الحريري، حليف السعودية إلى الحياة السياسية اللبنانية، مما نقل سنّة لبنان من التأثّر برياح مصر إلى التأثّر بالسعودية، وهذا الأمر خفّف من الدور المصري الذي أصبح ثانوياً، خصوصاً بعد إطلاق يد الرئيس السوري حافظ الأسد في لبنان.

 

لم يتخلّ الحريري الأبّ عن المظلة المصرية ذات الرمزية العربية، وكانت زياراته إلى الرئيس مبارك متتالية، إذ إن القاهرة كانت إحدى أهم ركائز الاستقرار السياسي للبنان الخارج من الحرب الأهلية، وذلك على رغم إمكانياتها المادية المتواضعة مقارنةً بدول الخليج، لكن البروتوكول كان يفرض أن تزور مصر، خصوصاً أن مرجعيّة الأزهر موجودة فيها.

 

وقف مبارك إلى جانب رفيق الحريري ودعمه في كل الملفات التي كانت تحتاج إلى دعم عربي ودولي، وخصوصاً خلال الإعتداءات الإسرائيلية المتكررة على لبنان، وكان السند الدائم للبنان، لكنّ السيطرة السورية التي كانت مفروضة، وقوة الدعم الخليجية المالية كانتا تتفوقان على الدور المصري التاريخي في لبنان والمنطقة.

 

ولا ينكر من واكب فترة اغتيال الرئيس الحريري وما بعدها، وقوف مبارك إلى جانب “ثورة الأرز” ودعمه مطلب الإنسحاب السوري من لبنان، فهذا الإغتيال قلب التوازنات في لبنان والمنطقة، ورفع الغطاء العربي والدولي عن الإحتلال السوري، وأيّدت مصر إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، في حين انقسم المشهد بعد الإغتيال الكبير بين محور الإعتدال العربي وعلى رأسه السعودية ومصر والذي دعم قوى “14 آذار”، والمحور السوري – الإيراني الذي دعم فريق “حزب الله” و”8 آذار”.

 

ويؤكد عدد من نواب وشخصيات “14 آذار” أن القاهرة وقفت بحزم في تلك الفترة إلى جانب استقلال لبنان وسيادته وعدم خضوعه للمحور الإيراني، وكان هناك حرص مصري على ألا يفقد لبنان هويته العربية الجامعة والتي تشكّل فسيفساء تتمثّل فيها كل الطوائف، كما أن مصر كانت مُصرّة على الحفاظ على هوية لبنان الذي يضمّ المسيحيين والمسلمين، وكانت تتعاطى مع الملف من منطلق سياسي وليس طائفياً أو مذهبياً، والدليل زيارة رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ولقاؤه مبارك قبل أشهر قليلة من اندلاع الثورة المصريّة التي أطاحت بمبارك.

 

رحل مبارك الرجل الذي وقف إلى جانب لبنان، في حين أن المشاكل الداخلية المصرية والتي أدّت إلى سقوطه بثورة 25 يناير 2011 في بلاد النيل هي شأن الشعب المصري ولا دخل للبنانيين فيها، علماً أن المصرين كانوا يصفون نظامه بالدكتاتوري ويتوقون إلى الحريّة، وبالتالي فإن التأكيدات هي أن العلاقات اللبنانية – المصرية مستمرة بغض النظر عن النظام الحاكم.

 

دعم مبارك “ثورة الأرز” وسقط بثورة الشعب المصري، ولعلّ الصحافي الشهيد سمير قصير كان أول من تحدّث عن أن ربيع بيروت هو مقدّمة لربيع دمشق وبقية العواصم العربية. لم تحقق الثورات العربية مبتغاها وانقلب الربيع إلى خريف وشتاء قاتم وظالم، من هنا عادت بيروت وبقية مناطق لبنان وانتفضت في 17 تشرين 2019، وسط الأمل أن يزهر ربيع بيروت وتزهر معه البلاد العربية ومن ضمنها مصر بعد فشل مسلسل الثورات الأول.