سواء صح ما يعتقده معظم اليمنيين أو كان مجرد مبالغات، فإن الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح لا يزال، على ما يبدو، يمسك بقسم لا يستهان به من خيوط اللعبة السياسية والأمنية في بلاده، على رغم مضي اكثر من عام ونصف العام على الإطاحة به، حتى أن موفد الأمم المتحدة الخاص جمال بن عمر يصرّ حالياً على تحميله المسؤولية عن كل ما يجري في اليمن، ويبدي رغبته الشديدة في سوقه الى المحاكمة، كأن بينهما ثأراً شخصياً.
وتسود الأوساط اليمنية قناعة بأن علي صالح الذي احتفظ بنفوذه لدى قسم من الجيش والقبائل، سهّل سيطرة جماعة «الحوثيين» على مناطق شمالية، في ما يرونه انتقاماً من اعدائه من زعماء تكتل «حاشد» القبلي المنضوين تحت لواء «الإخوان المسلمين»، والذين كانوا رأس حربة المطالبين برحيله. ثم ساعد أتباع الحوثي في الوصول الى العاصمة صنعاء، ويشجعهم الآن على الانتشار في بقية ارجاء البلاد.
ويعتبر اصحاب هذا الرأي ان الرئيس السابق، اذ يدفع نحو مزيد من المواجهات بين الحوثيين و «الإخوان»، انما يحقّق ما عجز عنه عندما كان رئيساً كامل السلطة والصلاحيات، على رغم محاولاته المتكررة. فهو يضعف الإسلاميين الذين اتهمهم بإقصائه تنفيذاً لأجندة خارجية، وفي الوقت نفسه، يضعف جماعة عبد الملك الحوثي بدفعهم الى التمدد وانتزاع ما لا طاقة لهم على هضمه، لأن مقتلهم في تشتت قوتهم، وهم ليسوا بالحجم ولا التسليح الكافي للسيطرة على اليمن بكامله، وخصوصاً الجنوب المسلح الساعي الى الانفصال.
وبدا ذلك واضحاً في اضطرارهم الى تعديل خطط انتشارهم جنوباً بعد مواجهة مقاومة سنّية عنيفة، حتى وإن كانت من تنظيم «القاعدة» او تحت رايته، بما ينذر بعنف طائفي قد لا يقف عند حدود.
اما دخول الحوثيين صنعاء او إدخالهم اليها، فكان هدفه، اضافة الى الإمساك بالعاصمة، اثبات ان تغيير الرئيس لا يعني الاستقرار ولا السلم الاهلي، وأن العاصمة كانت اكثر أمناً، وفق المعايير اليمنية، قبل ان يتدفق «الإخوان» الى الشوارع مطالبين برحيل علي صالح، وإن خروج الحوثيين الآن منها سيتطلب اكثر بكثير من التظاهرات والاعتصامات وبضع عشرات القتلى الذين سقطوا خلالها.
عندها سيكون باستطاعة الرئيس السابق، ربما، لعب دور «المنقذ» بالتعاون مع وحدات في الجيش سخا في تدريبها وتسليحها والإنفاق عليها خلال رئاسته التي امتدت 34 عاماً، ولا تزال تربطه بقادتها صلات قوية.
لكن هل الحوثيون المرتبطون بإيران والرافعون شعاراتها، سذّج الى الحد الذي يجعل لعبة كهذه تنطلي عليهم بسهولة؟ الأرجح ان لديهم برنامجهم الخاص المرتبط براعيهم الإقليمي. فهم انتظروا حتى أطاح «الإخوانُ» النظامَ لينقضّوا عليهم ويسلبوا انتصارهم، مستفيدين من تحالفات مناطقية تشرى بالمال، ومن عدم رغبة الرئيس هادي في تفتيت الجيش بزجّه في حرب أهلية قد تفتح الباب امام تقسيم اليمن كله.
والأرجح أن طموحهم في دخول النادي السياسي، والذي قمعته حروب شنّها ضدهم قسم من الجيش مرتبط بـ «الإخوان» وحالت دون تخطيهم حدود صعدة طوال عقدين، تحوّل اليوم نتيجة الدعم الإيراني الى محاولة حثيثة للإمساك بكامل اليمن.
لكنهم يعرفون، أو سيكتشفون بالتأكيد، انهم لا يستطيعون اخضاع البلد كله لا بالقوة ولا بالسياسة، وأن هناك خريطة معقّدة من القبائل والمسلحين ومناطق النفوذ يستعصي فك أحاجيها على اي طرف مهما كان قوياً ومنظماً، فكيف وهم اشبه بغيرهم من الميليشيات المنتشرة من شمال اليمن الى جنوبه، ويعانون خللاً في تمثيلهم المناطقي والطائفي.
وإضافة الى العوامل الداخلية التي يصعب تجاوزها، هناك ايضاً الأطراف الخارجيون الذين رعوا قبل 18 شهراً تسوية حالت دون تسلم «الإخوان» السلطة في صنعاء، اي دول الخليج العربية والأميركيين والأوروبيين وحتى الروس. اذ من الواضح ان اتفاق هؤلاء على البحث عن تسوية جديدة تعيد الحوثيين إلى القمقم، بات أكثر إلحاحاً هذه المرة.