لا فارق يذكر بين مرشّح وآخر من المرشحين في الانتخابات الرئاسية الايرانية المتوقعة الشهر المقبل. ليس مهمّا من سيفوز بمقدار ما انّ المهمّ ان تتغير سياسة ايران داخليا وخارجيا، وتتوقف لعبة الرهان على لعب دور القوّة الإقليمية المهيمنة التي أخذت ايران والمنطقة معها الى الخراب والفتنة المذهبية.
ليس في استطاعة ايران بنظامها الحالي الذي أقامه آية الله الخميني في العام 1979 الاستمرار في هذه اللعبة لانّ ليس لديها نموذج تقدّمه، لا داخل حدودها ولا خارجها. تستطيع ايران الهدم وجعل دول المنطقة تعتمد أكثر فأكثر على القوى الخارجية، بما في ذلك «الشيطان الاكبر» الاميركي. لكنّها لا تستطيع ان تبني، لان البناء سيعني مزيدا من التفاهم بين شعوب المنطقة واستثمارا لثرواتها في خدمة مواطنيها بدل صرف الاموال الطائلة على شراء السلاح.
كانت تجربة حسن روحاني الذي انتخب رئيسا قبل اربع سنوات ابلغ دليل على ان لا دور للرئيس الايراني. ما اكثر الذين تحدّثوا عن ان روحاني «إصلاحي» وانّه سيغيّر ايران. تبيّن في نهاية المطاف انّه استُخدم، في مرحلة معيّنة، من المتشدّدين من اجل اقناع باراك أوباما بانّ في الإمكان لعب الورقة الايرانية والسير الى النهاية في المفاوضات المتعلّقة بالملف النووي الايراني بغية التوصّل الى صفقة ما.
حصلت الصفقة. وقعت مجموعة الخمسة زائدا واحدا (البلدان الخمسة ذات العضوية الدائمة في مجلس الامن والمانيا) صيف العام 2015 الاتفاق في شأن الملفّ النووي الايراني. حصلت ايران على مساعدات أميركية بمئات ملايين الدولارات كانت في حاجة ماسة اليها في ضوء هبوط أسعار النفط. لم يتغيّر شيء على الصعيد الاقليمي. على العكس من ذلك، زادت ايران عدوانية تجاه كلّ ما هو عربي في المنطقة. لم تلعب ايّ دور إيجابي في أي منطقة من مناطق الشرق الاوسط او بلدانه او في منطقة الخليج. تابعت ايران عملية الشحن المذهبي الذي يظلّ استثمارها الوحيد خارج أراضيها وداخلها.
قبل روحاني، امضى «الإصلاحي» محمّد خاتمي ثماني سنوات رئيسا، بين 1997 و 2005. كيف اثّر ذلك في السياسة الخارجية لإيران؟ الأكيد ان خاتمي كان رجل علم ومعرفة، كما كانت لديه كلّ النيات الطيبة تجاه دول الجوار وما هو أبعد من الجوار. لكنّ الحكم النهائي يظلّ على النتائج. بقيت ايران، في عهد خاتمي وبعد انتهاء ولايتيه الرئاسيتين، تتدخل في الشأن الداخلي لكلّ دولة عربية، بل زاد تدخّلها وتوسّع وباتت اكثر عدائية خصوصا بعدما شاركت في الحرب الاميركية على العراق مشاركة مباشرة في ربيع العام 2003.
تبيّن مع مرور الوقت كم كان الملك عبدالله الثاني بعيد النظر عندما تحدّث الى صحيفة «واشنطن بوست» في تشرين الاوّل 2004 عن «الهلال الشيعي» الذي كانت ايران تسعى الى اقامته بعد سيطرتها على بغداد. لم يقصد العاهل الأردني بـ«الهلال الشيعي» أي إساءة الى اتباع المذهب، خصوصا ان الهاشميين يعتبرون نفسهم من «أهل البيت» ولم يفرّقوا يوما بين سنّي وشيعي. كان يشير الى ان ايران أرادت ان تحكم منطقة تمتد من طهران الى بيروت الواقعة على البحر المتوسّط مستخدمة الغريزة المذهبية. تضمّ هذه المنطقة العراق وسوريا ولبنان الذي يتحكّم به حزب تابع لإيران اسمه «حزب الله»، ليس سوى لواء في «الحرس الثوري» الايراني.
بعد ثلاثة عشر عاما، ادلى عبدالله الثاني، قبل ايّام بحديث الى «واشنطن بوست» كرّر فيه ما قاله في الحديث الاوّل كاشفا ان ايران لم تتغيّر. ما تغيّر، من خلال ردّها على الحديث الاخير، هو انكشاف كم هي متضايقة من إدارة دونالد ترامب وتوجّهاتها من جهة وزيادة كمّية العداء التي تكنّها لدولة مسالمة حافظت على استقرارها الداخلي، مثل المملكة الأردنية الهاشمية، من جهة أخرى.
استخدم مسؤولون إيرانيون كلاما بذيئا في الرد على حديث العاهل الأردني لمجرّد انّه وصف الواقع كما هو بعيدا عن ايّ نوع من المبالغات. ما الذي تفعله ايران في العراق؟ ماذا تفعل في سوريا؟ ما الذي يدفعها الى الرهان على ميليشيا مذهبية في لبنان من اجل ضرب اقتصاد البلد وتدمير كلّ مؤسسات الدولة وإيجاد قطيعة بينه وبين دول الخليج العربي؟
لا داعي بالطبع الى التساؤل ماذا تفعل ايران في اليمن ولماذا كلّ هذا الحقد على البحرين او لماذا تتدخل في الكويت؟
استخدم «المرشد الأعلى» علي خامنئي موقع رئيس «الجمهورية الإسلامية» في ايران لتمرير مراحل معيّنة كانت تتطلب وجود رئيس من طراز معيّن. متى تطلب الامر، داخليا، والوضع الدولي رئيسا «اصلاحيا»، هبط الرئيس «الإصلاحي» على الايرانيين وبدأ العالم يفكّر في ان ايران ستنتهج سياسة تقوم على الانفتاح والتوقف عن دعم الإرهاب بكلّ اشكاله. متى كانت الحاجة الى «متشدّد»، يأتي احمدي نجاد بقدرة قادر…
لم يحصل ولن يحصل أي تغيير في ايران ما دام خامنئي يحكم ايران بصفة كونه «الوليّ الفقيه». ستبقى ايران دولة تحلم بلعب دور يفوق حجمها وقدراتها، متجاهلة ان العالم يتغيّر بأسرع مما يعتقد وان الاستثمار المفيد الوحيد الذي تستطيع القيام به يتمثّل في التركيز على الاستثمار في مشاريع داخلية تعود بالفائدة على الايرانيين الذين يعيش اكثر من نصفهم تحت خط الفقر.
في التاسع عشر من ايّار المقبل، ستجري الدورة الاولى من الانتخابات الرئاسية الايرانية. كلّ ما يمكن قوله في المناسبة، هو ما أشبه اليوم بالبارحة. ففي مثل هذه الايّام من العام 2013، انتخب حسن روحاني رئيسا. كان الوحيد الذي اعتقد ان ايران تغيّرت هو باراك أوباما والفريق المحيط به الذي ضحّى بالشعب السوري الثائر على الظلم والديكتاتورية. تغاضى اوباما عن استخدام بشّار الأسد السلاح الكيميائي من اجل استرضاء ايران. كان حريصا كلّ الحرص على عدم التسبب بأيّ إزعاج لإيران، حتّى عندما قُتل ما يزيد على الف سوري في آب من تلك السنة بالسلاح الكيميائي في غوطة دمشق.
ليس رئيس الجمهورية الذي يغيّر ايران. ما قد يغيّرها حاليا هو سياسة أميركية مختلفة. المسألة مسألة أسابيع فقط سيتبيّن بعدها هل سيقول دونالد ترامب والفريق المحيط به انّه آن أوان ان يأخذ كلّ طرف إقليمي، حتّى دولي، حجمه الحقيقي على خريطة العالم؟