بعد الهجوم الذي نّفذه محيي الدين مير في مترو الأنفاق في لندن٬ قال ديفيد كاميرون «أولاً وقبل كل شيء يعود الفضل الكامل إلى الشخص الذي تصدى لهذا المهاجم صارًخا أنت لست مسلًما يا أخي» وشارك الناس في مواجهته قبل وصول رجال الشرطة٬ والمثير أن صرخة ذلك الشخص تحّولت وسًما انتشر بشكل واسع جًدا على «تويتر»٬ فتوالت التعليقات حيث كتبت إحداهن على حسابها: «إن المهاجم مريض نفسي آخر يحاول استخدام الدين لتبرير جريمته الهمجية… لا. أنت لست مسلًما يا أخي».
كان من اللافت أن تلاقي هذه الجملة كل هذا الصدى وتحظى بكل هذا الإعجاب٬ إلى درجة أن توماس فريدمان تعّمد الإشادة بالرجل الذي قالها في مقال نشرته نيويورك تايمز» الأسبوع الماضي٬ وكل ذلك يطرح سؤالاً بات في هذه المرحلة ضرورًيا وملًحا:
لماذا تسمع صرخة رجل غاضب في المترو رفض ربط العنف بالإسلام ولا تسمع آلاف التصريحات والبيانات والمقالات التي تتدفق من الحكومات والمسؤولين والمتنورين في الدول العربية والإسلامية٬ مكررة أن الإسلام براء من الإرهاب٬ وأن الإرهابيين استهدفوا الدول الإسلامية قبل غيرها بجرائمهم البشعة ويحاولون خطف الإسلام وتشويه صورته في العالم؟
لماذاُتسمع صرخة رجل في أنفاق لندن٬ ولاُيسمع صراخ العالم العربي المدوي منذ زمن أن الإسلام ليس براء من الإرهاب فحسب بل إنه الضحية الأولى للإرهابيين٬ بحيث يكون لهذا الصراخ الصدى الكافي ورد الفعل المفيد٬ في مواجهة انفجار المشاعر العصابية التي تصل إلى حدود العنصرية البغيضة في بعض الأوساط الغربية٬ والتي تتصاعد بشكل مقلق بعد جرائم «داعش» في فرنسا ولندن وكاليفورنيا؟
قيل الكثير عن تصريحات دونالد ترامب البغيضة والعنصرية٬ وسواء ذهبت هذه التصريحات إلى مزبلة التاريخ كما قيل في واشنطن أم لم تذهب٬ من الضروري التوقف أمام مؤشرات خطرة٬ لأن عنصرية ترامب تجد لها صدى في ولايات أميركية حاسمة انتخابًيا وتتميز بالتنّور٬ فنحن نتحدث هنا عن تقّدم ترامب في الاستطلاعات الأخيرة في كارولينا الجنوبية ونيوهامبشاير وأيوا.
لا يكفي أن يقول البعض إنه رجل أحمق يغرق المكسيكيين والمعوقين والنساء بتصريحاته المعيبة٬ وأنه يستغّل جرائم «داعش» في الغرب ليغرق المسلمين بمثل هذه التصريحات٬ لا ليس كافًيا التوقف عند ترامب٬ يجب أن ينصب الاهتمام على تأثير جنون ترامب في أوساط الرأي العام٬ لأن مواقفه المشينة لها صداها وفعلها العميق في الرأي العام٬ الغارق أولاً في الخوف وثانًيا في الجهل حيال أولئك الذين يحاولون خطف الإسلام ويثيرون الذعر عبر ما ينفذونه من الجرائم منذ العرض المرّوع لعملية ذبح الصحافي الأميركي جيمس فولي وغيره٬ ثم عبر عمليات القتل العشوائي كما حصل في مترو الأنفاق وفي فرنسا وفي كاليفورنيا٬ وقبل ذلك في ليبيا وتونس ومصر وسوريا والعراق ولبنان والسعودية وتركيا والجزائر٬ بما يعني أن جرائم الإرهاب ضربت في المجتمعات الإسلامية قبل أن تضرب في المجتمعات الغربية.
في فرنسا قيل ويقال الكثير عن تقدم مارين لوبن و«الجبهة الوطنية»٬ التي طالما رفعت عقيرتها العنصرية ضد المسلمين والأغراب٬ وخصوًصا بعد النتائج الصادمة التي حققتها في الدورة الأولى من انتخابات المناطق عندما ضاعفت تمثيلها ثلاث مرات لتصبح الآن مرشحة قوية لرئاسة الجمهورية في الانتخابات التي ستجرى بعد 18 شهًرا٬ كذلك قيل الكثير عن ماريون لوبن ابنة شقيقتها وحفيدة والدها العنصري جان ماري لوبن التي حصلت على نسبة موازية في أكثر المناطق الفرنسية تنوًرا٬ أي في المنطقة الساحلية المتوسطية بما فيها الشاطئ اللازوردي.
نحن هنا نتحدث عن نيس ومارسيليا وكان٬ حيث تستند الثقافة الاجتماعية إلى القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والانفتاح على الآخر٬ وهي القيم التي تنهض عليها الثقافة الاجتماعية في كارولينا ونيوهامبشاير وأيوا٬ بما يعني أن المشاعر التلقائية المعادية للإسلام والمسلمين بعد جرائم «داعش» يمكن أن تكون أعمق وأعنف في المناطق الشعبية الغربية٬ حيث يختلط الخوف من الإرهاب مع الجهل بحقيقة الإرهابيين.
عندما تصاب كارولينا الجنوبية بالذعر بعدما قيل إن 12 لاجًئا سورًيا سيدخلون إلى الولاية٬ يكون أبو بكر البغدادي قد نجح في نشر وباء الكراهية والعنصرية على نطاق واسع في الدول الغربية٬ ذلك أن الخوف المتنامي من الإرهاب بعد استعراضات القتل الهمجي٬ الذي تنقل وسائل التواصل الاجتماعي مسلسل وقائعه المروعة٬ والعداء المتفاقم أصلاً ضد الهجرة بسبب الأزمات الاقتصادية في معظم الدول الغربية٬ شكلا وصفة نموذجية لبّث الذعر والحساسية ضد المهاجرين!
وهكذا مع تصاعد التصريحات العنصرية البغيضة حيث يدعو دونالد ترامب إلى طرد المسلمين من الولايات المتحدة٬ بعدما كان قد حّرض على ضرورة ترحيل 11 مليون مهاجر معظمهم من أميركا اللاتينية وصفهم بالسارقين٬ هل نبالغ إذا قلنا إنه بات بمثابة سفير لأبو بكر البغدادي في واشنطن٬ وعندما تدعو مارين لوبن إلى إبعاد المسلمين من فرنسا وإغلاق أوروبا في وجه المهاجرين٬ وسبق لها أن قارنت صورة المسلمين وهم يصلّون في شوارع فرنسا بالمحتلين النازيين٬ هل من المبالغة القول: إنها مبعوثة «داعش» التي تبث الكراهيات في المجتمع الفرنسي الذي يقوم على روح الانفتاح واحترام الآخر وحرية الإنسان؟
قياًسا بالتصاعد المقلق لمشاعر ما يسمى «الإسلاموفوبيا» في الغرب٬ وقياًسا ببروز الأصوات والأفكار العنصرية التي تحاول أن تصّور كل مسلم وكأنه إرهابي أو أنه قنبلة ستنفجر في أي لحظة أو سكين يمكن أن تنقّض على المارة الأبرياء٬ ليس كثيًرا القول: إن جرائم «داعش» من جهة وتصريحات المجانين أمثال ترامب ولوبن تعمل على استنهاض نظرية أسامة بن لادن عن الفسطاطين٬ فسطاط الخير وفسطاط الشر.
أمام هذا الجنون الذي يقود إلى طريق صدام ولو نظري بين الحضارات٬ ليس كافًيا قيام حملة واسعة من الإدانة والاستنكار والتنديد بمواقف ترامب ولوبن وأمثالهما٬ بل من الضروري وضع استراتيجية عالمية موازية للحرب على الإرهاب تركز على التنوير وإظهار الحقائق٬ وخصوًصا إذا تذكرنا أن اليمين صاعد أيًضا في المجر وبولندا وفي اسكوتلندا وكتالونيا وفي اليونان والبرتغال.
وعندما تقود السعودية تحالًفا من 35 دولة إسلامية لمحاربة الإرهاب بعدما كانت قد قدمت مبلغ مائة مليون دولار لدعم المركز الدولي لمحاربة الإرهاب٬ من المفيد أن نتذكر أنه إذا كانت صرخة رجل في المترو «أنت لست مسلًما يا أخي» قد أثارت كل هذا الثناء٬ ففي الإمكان إطلاق مؤسسة دولية شاملة تشرح مثلاً المعنى العميق والمبدع لقول ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف «إن الإرهابيين خطفوا أجمل ما عندنا أولادنا وديننا الحنيف والسمح واستعملوهما ضدنا»٬ بما يساعد على وضع استراتيجية ثقافية عالمية تشرح حقيقة الإسلام الذي ينخرط قبل الغرب في حرب شرسة ضد الإرهاب!